يواجه سكان مدينة الموصل، الذين بقوا في المدينة التي تتعرض لهجوم من الشرق والشمال والجنوب من جانب القوات العراقية لاستعادتها من سيطرة تنظيم داعش، الخطر والعوز. وتوقعت الأمم المتحدة أن يضطر مائتا ألف مدني إلى ترك منازلهم في الأسابيع الأولى من أكبر عملية عسكرية يشهدها العراق منذ سنوات. لكن عدد النازحين لم يبلغ حتى الآن إلا نحو ثلث هذا الرقم. وقالت المنظمة الدولية للهجرة، أول من أمس، إن نحو 76 ألف شخص نزحوا من الموصل منذ بدء الهجوم في 17 أكتوبر (تشرين الأول). والذين بقوا في المدينة فعلوا ذلك إما خوفا أو لعدم تمكنهم من المغادرة، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية. تهرع رشا إلى إحدى الخزائن داخل مطبخها وتحمل كيسا من الأرز شارف على الانتهاء، في صورة جلية عما تعاني منه عائلات الموصل من نقص في المواد الغذائية وسط تصاعد وتيرة المعركة. وتقول هذه السيدة بحسرة، فيما يلهو ابنها يونس (5 أعوام) بسلاح بلاستيكي صنعه له والده: «لا أدري ما الذي سيحدث عندما ينتهي هذا. نوكل أمرنا إلى الله». في غضون ذلك، وعلى مقربة من المنزل تواصل قوات مكافحة الإرهاب العراقية تقدمها من شارع إلى آخر في حي عدن، في إطار الهجوم على تنظيم داعش في الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، التي سيطر عليها المتطرفون في يونيو (حزيران) 2014. رشا وزوجها وأطفالهما الثلاثة، هم بين آلاف أهالي المدينة الذين ما زالوا متواجدين في الأحياء التي استعادتها القوات الحكومية. وتقول رشا: «لقد سقطت ثلاث قذائف هاون على سقف بيتنا. أنا خائفة جدا على أطفالي». والكهرباء مقطوعة، وغاز التدفئة على وشك النفاد، ومياه الشرب معدومة تقريبا. والمساعدات الوحيدة التي تتلقاها العائلات أحيانا هي أكياس الخبز وصناديق المياه المعبأة التي تقدمها لهم قوات مكافحة الإرهاب. لكن، مع انخفاض درجات الحرارة ليلا إلى ما تحت الصفر، فإن فكرة القيام برحلة محفوفة بالمخاطر من الموصل مع ثلاثة أطفال صغار إلى أحد مخيمات النازحين على أطراف المدينة، تبدو شاقة. تقول رشا: «على الأقل، لدينا هنا سقف فوق رؤوسنا». بالنسبة إلى المنظمات الإنسانية، فإن محاولة الوصول إلى الناس داخل المناطق المحررة في الموصل أصبح أمرا ملحا بشكل كبير. واشتداد القتال والمخاطر العالية تعني فرض قيود مشددة على إيصال المساعدات. وتقول الأمم المتحدة إنها تمكنت من إيصال الغذاء إلى نحو 37 ألف شخص، لكن هؤلاء على أقصى الحدود الشرقية للمدينة. وتوضح المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في العراق إينغر ماري فينيز لوكالة الصحافة الفرنسية أن «الأمن والدخول هما التحديان الكبيران». وتضيف أن الأمر يشكل «مصدر قلق كبير لنا، لأننا نعلم أن الناس في حاجة إلى المساعدات الغذائية». إلى ذلك، أعلنت «لجنة الإنقاذ الدولية» غير الحكومية، أمس، أن على القوات العراقية فتح ممرات آمنة لخروج سكان الموصل، نظرا لأنها غير قادرة على حماية المدنيين وخوض معارك شرسة مع المتطرفين في الوقت نفسه. وتوقعت اللجنة في بيان أن تستمر معارك استعادة الموصل في شمال البلاد حتى ربيع عام 2017، معربة عن قلقها من نفاد إمدادات السكان العالقين أو نزوحهم في ظروف خطيرة. وقال مدير اللجنة في العراق أليكس ميلوتينوفيتش إنه «حتى مع أفضل الجهود التي تبذلها القوات العراقية لتجنيب السكان أي أذى، فإن القتال شديد جدا». وقال ميلوتينوفيتش: «لذلك على القوات بذل كل ما في وسعها لضمان وجود طرق آمنة للهروب». وأضاف أن «القتال في الموصل أيضا يصعّب جدا إيصال المساعدات. كما أن الإمدادات التي تقل هناك أصلا تثير مخاوف حيال عائلات قد تصبح قريبا من دون طعام أو دواء». ومع احتدام القتال ضد عدو لا رغبة لديه في التفاوض، يبدو أن هناك مجالا ضيقا للمناورة ومن المرجح أن تستمر العملية أسابيع أو أشهرا. لكن اللواء معن السعدي من قوات مكافحة الإرهاب يصر على أن الهجوم «يسبق الجدول الزمني». غير أنه يوضح أن تنظيم داعش كان يستخدم وسائل غير تقليدية جعلت مهمة استعادة السيطرة على الأراضي أكثر صعوبة. ويضيف: «إنهم يستخدمون السيارات المفخخة والانتحاريين والمدنيين دروعا بشرية، وهذا يصعب الأمر علينا». الأربعاء الماضي، أعلنت القوات الحكومية غرب الموصل أنها قطعت آخر خطوط إمداد المتطرفين من الموصل باتجاه معقل تنظيم داعش في مدينة الرقة السورية. وهذا يعني أن المتطرفين المعزولين في الموصل يستعدون الآن للقتال حتى النفس الأخير. ويقول السعدي: «لا يمكنهم الهروب. لديهم خياران، الاستسلام أو الموت».