النسخة: الورقية - سعودي طالبت في مقالات سابقة «مؤسسة النقد» (ساما) بزيادة عدد المصارف في المملكة. فأكبر اقتصاد عربي لا يقبل أن تحكمه 12 مصرفاً فقط، تحتكره احتكار قلة. هذه المصارف تمددت أيضاً من خلال أذرعها التابعة لها للسيطرة على شركات الاستثمار (السمسرة في الأسهم) والتأمين وحالياً التمويل العقاري. وقلت سابقاً إن هذا يمكن قبوله لو كان عدد المصارف عندنا يفوق الـ 50، ولكن مع هذا العدد الصغير لا يمكن قبول وضع كهذا. فالمصارف تسيطر على سوق الائتمان كلياً، وتقتل منافسة الشركات في الأنشطة الأخرى. عموماً، تعودنا من «ساما» عدم الرد والتعليق، أو التوضيح، فكل ما في مبنى مصرفنا المركزي يوحي بالصمت المهيب، على رغم كثرة ما كتب انتقاداً ومطالبة واقتراحاً. الإثنين الماضي، كنت أستمع في «إذاعة الرياض» إلى برنامج المستشار الاقتصادي، وكان ضيفه الدائم الزميل المميز فضل البوعينين. وكانت معظم الاتصالات من المواطنين توحي بالقرف والطفش والغضب من تصرفات المصارف معهم. فأحدهم تقدم للحصول على مخالصة بعد سداد كامل القرض، ولم يحصل عليها على رغم مضي أضعاف المدة التي حددها المصرف للحصول على مخالصته النهائية. مواطن آخر، عوقب لسداده باكراً القرض بعد عام واحد من اقتراضه، بأن طلب منه سداد كامل المبلغ مع فوائد ثلاثة أعوام، على رغم سداده الباكر (القرض كان لخمسة أعوام فأعفاه المصرف من العام الأخير فقط). أي أن المصرف لم يقبل المبلغ الذي أقرضه للمواطن ويطرح عنه الفوائد المتبقية لسداده كامل القرض باكراً، بل طُلب منه سداد الفوائد، على رغم أن الفوائد تحسب في مقابل الزمن، ولا زمن هنا بعد السداد الباكر ليسدد المواطن مقابله أية فائدة. مواطن ثالث، اشتكى من انتشار ملصقات وسطاء القروض على الصرافات، وأشار إلى علاقة خفية بين المصارف والوسطاء. وهو أمر لا أعتقد أنه يصح، إلا أنه ذُكر في البرنامج، وهو ما يتطلب التعليق من «ساما»، والمحاسبة إن ثبت لديها شيء مثل هذا، لاسيما أن بعض القنوات تعرض إعلانات أشخاص لسداد القروض في مصارف معينة. وهو ما يوحي بعلاقة أفراد في بعض المصارف بهذه الإعلانات والملصقات. عميل رابع للمصارف، أشار إلى استيفاء المصرف الذي يتعامل معه القرض يوم 23 من الشهر الهجري، على رغم أن العقد ينص على استيفاء القرض يوم 25 من كل شهر هجري (يوم نزول الرواتب)، وهذا معناه أن المصرف يأخذ كامل القرض، أو ما يجده في حساب العميل قبل 48 ساعة من حلول موعده، من دون أدنى اعتبار لحاجة العميل ومصروفاته قبل نزول راتبه. عميل آخر، أشار إلى بقاء اسمه في «سمة» مدة طويلة على رغم سداده كامل القرض. والشكوى من «سمة» مستمرة، وذكرت سابقاً أن وجودها شوّه سوق الائتمان السعودية، وخلق ظاهرة ملصقات الصرافات التي لم توجد ولم تعرف قبل وجود «سمة» وقوائمها. كما أن وضع اسم المواطن في أية لائحة يجب أن يكون من صلاحية القضاء فقط. لا صلاحية المصارف وشركاتها التي هي الخصم والحكم مع المواطن المغلوب على أمره. الزميل فضل البوعينين كان محايداً وواقعياً، وأشار إلى المادة 84 من اللائحة التنفيذية لمراقبة شركات التمويل، التي تنص على عدم تحميل العميل كلفة الأجل في حال السداد الباكر. وتجيز حصول المصرف على عوض يعادل فوائد ثلاثة أشهر فقط، في حال سداد القرض باكراً. وهي لائحة عادلة للمصرف والعميل، إلا أنه لم يتم تفعيلها بعد. وطالب بأن تكون المادة 84 قاعدة تلتزم بها المصارف في السداد الباكر وإن ارتبط القرض بعقد سابق لصدور اللائحة. كما اقترح البوعينين وجود عقد إقراض موحّد من «ساما» يستخدم من جميع المصارف، وأن يكون عقد إقراض عادلاً لا عقد إذعان كما هي عقود المصارف حالياً. بالطبع المتصلون ومقدم البرنامج خالد الشهوان لم يستغربوا وجود لوائح ونظام مكتوب لحماية المواطن، إلا أن الاستغراب كان من عدم تطبيق المصارف لوائح «ساما» والأنظمة المكتوبة، وعدم تفعيل المؤسسة الجانب الرقابي الذي يضمن تطبيق اللوائح المحققة للعدالة بين المصارف وعملائها. ختاماً.... ليست المرة الأولى، وليس العام الأول الذي يشتكي فيه المواطنون من سوء وتعسف تعامل المصارف معهم. فكثير مما ورد في المقالة سمعناه مرة وعشر ومئة، ومنذ عام وخمسة وعشرة أعوام لم يتغير شيء. حتى أصبح يعتقد أن المصارف هي من يدير «ساما»، وليس العكس، وهو ما نرجو من «ساما» نفيه عملاً ورقابة ومحاسبة لمصلحة الناس في مقابل تحكم وتعسّف المصارف. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية. dr_ibnrubbian@