ابن الديرة لله ما أعطى ولله ما أخذ، ونحن مؤمنون بقضاء الله وقدره، وليس لنا، مع أهل الفقيد العزيز وزملائه، إلا الصبر إن شاء الله وجميل الصبر والسلوان، لكن مرارة الفقد، إزاء هذا الغياب المفاجئ لابن الإمارات البار، الفريق خميس بن مطر المزينة، تحضر حضور الرجل في الفعل الإيجابي والأداء المشرف، وفي الإخلاص والمحبة والوفاء والإتقان، ولقد أصاب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، كبد الحقيقة، عندما وصف الفريق خميس المزينة بأنه أحد رجال الإمارات المخلصين، ولو راجع المتابع سيرة الرجل منذ أن كان طالباً إلى التحاقه بشرطة دبي في العام 1983، ثم إلى ترقيه المنتظم وصولاً إلى تعيينه بمرسوم مديراً لإدارة المباحث الجنائية، عماد كل جهاز شرطي أو أمنه، ثم إلى نيله ثقة محمد بن راشد بتعيينه نائباً للقائد العام، ثم قائداً عاماً لشرطة دبي، مروراً بترقيته إلى رتبة فريق وهو في عمر الشباب، لكنها التجربة الراسخة التي تفرض نفسها واختيارها في وطن منصف وعادل، تعتمد قيادته معايير الأجود والأفضل، نحو شغل الوظائف والمراكز. عمل الفريق خميس بن مطر المزينة مع الفريق ضاحي خلفان تميم، ولأنه رجل وفي، فكان يستغل المناسبات لذكر فضل ضاحي خلفان الذي دربه وشجعه وتعلم على يديه الكثير، والذي أتاح له فرص الممارسة الميدانية وإثبات الإمكانية وتحقيق الذات. كان الفريق خميس يتذكر ذلك، كجزء لا ينساه من مسيرته، كما لا ينسى، بطبيعة الحال، احتضان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم له ولأمثاله من أبناء الإمارات، فسموه كالصائد الماهر الحذق الذي يعرف كيف يلتقط الأعز والأغلى من المواهب والعطاءات، وقد كان خميس المزينة واحداً ممن نالوا اهتمام وثقة محمد بن راشد، فرسم له طريق التميز حتى وصل إلى أعلى الرتب. وخميس المزينة رجل مناقبي بكل المقاييس، فقد كان متواضعاً وخدوماً وقريباً من الناس، من ذلك النوع الذي يخيل إليك أنك تعرفه منذ زمن بالرغم من أنك ربما تراه للمرة الأولى، وهذه المناقبية الأخلاقية سمة كل إنسان متقدم وحضاري، لكنها، في السلك الأمني والعسكري، سمة الكبار، فأنت تحقق التوازن الأجمل حين تزيل الحواجز بينك وبين الناس، من دون أن تفقد الهيبة، والقوة، والبساطة. هكذا كان خميس المزينة، أقرب إلى الرجل المدني والدبلوماسي، منه إلى العسكري بالمعنى التقليدي، أما السر فقد كشفه الفريق خميس نفسه، الذي كان يقول إنه سيكون دبلوماسياً يخدم بلاده في الداخل والخارج لو لم يكن عسكرياً. العمل الشرطي كان اختياره الأول، شغفه وهوايته وهواه، وقد شغله عمله عن الدنيا كلها، فقدم أنموذج الشاب الإماراتي المنتج، والذي يصنع الفرق أينما كان وحيثما وضع في مواضع المسؤولية، وقد رأينا كيف قامت القيادة العامة لشرطة دبي في عهده بعمليات رائدة تمكنت عبرها من القبض على مجرمين خطرين في أوقات قياسية، إلى جانب بلوغ القيادة مراحل بعيدة من التطور على صعد إدارية وفنية مختلفة. رحم الله الفريق خميس بن مطر المزينة، وأجزل له العطاء. إنا لله وإنا إليه راجعون. ebn-aldeera@alkhaleej.ae