النسخة: الورقية - سعودي يتناول الباحثون في العادة صورة «الإرهابي العربي/ المسلم» في هوليود من خلال دراسة الكيفية التي تمارس فيها صناعة السينما الأميركية تنميط وتشويه المسلمين والعرب كانعكاس لرؤية استشراقية في غالبها الأعم، إذ يتم تصوير العربي/ المسلم كشخص غير عقلاني، يقتل في شكل عشوائي، لا يمكن فهم منطق قتله لنفسه والآخرين... إلخ، أو شخص يتحرك انطلاقاً من عقيدة دينية صماء غير متسامحة مع الآخرين ليرتكب جرائم غير مفهومة، امتداداً لفكرة الشرقي البربري الوضيع في مقابل الغربي المتحضر المتفوق. لتتضح هذه الصورة أكثر، لنرى كيف تصور السينما الأميركية الإرهابي «الأبيض» غير المسلم، هل سنجد فرقاً بين الإرهاب بنسخة شرق أوسطية أو تلك التي ترتكب من صاحب عيون زرقاء؟ سأحاول تسليط الضوء على هذا الموضوع من هذه الزاوية في هذا المقال، من خلال تناول فيلم «اعتداء على وول ستريت» الذي أنتج العام الحالي، ما سأكتبه هنا سيكشف حبكة الفيلم تماماً، وهذا تنبيه لمن يريد أن يشاهده مستقبلاً ويخشى كشف نهايته. سيمضي ابتداءً أكثر من نصف الفيلم في تهيئة الأجواء للتحول المثير في سلوك بطل الفيلم «جيم». الشخصية الأساسية في الفيلم من الطبقة الوسطى يعمل ليتدبر تكاليف معيشته وعلاج زوجته المريضة. يواجه ضائقة مالية حادة بعد الأزمة المالية التي تعرض لها الأميركيون وانهيار وول ستريت. تبدأ المشكلات بإثقال كاهل بطل الفيلم دفعة واحدة، في البداية يفقد مدخراته ثم وظيفته وبعدها يفقد منزله المرهون للمصرف، وفي آخر الأمر يفقد زوجته التي تنتحر لشعورها بأنها مجرد شيء غير منتج تثقل كاهل زوجها من دون طائل. يراد من كل هذه السردية وضع تبرير منطقي لسلوك جيم العدواني فيما بعد. هذا ما لن تراه أبداً في فيلم هوليودي يتحدث عن إرهابي عربي أو مسلم، لن تجد بنية تحاول تفسير أو فهم أسباب الاعتداءات التي يقوم بها بل ستشاهد القصة غالباً ابتداءً من لحظات التخطيط والتنفيذ، لا في سياق الكشف عن الدوافع والأسباب، وبالمناسبة الحديث عن الدوافع والأسباب لا علاقة له بقبول الفعل أو رفضه بل في سياق فهم ما يحدث لا غير. الأمر الآخر في هذا السياق، «الرجل الأبيض» عندما يدخل دوامة «الإرهاب» يدخل إليها في شكل عارض، فجيم بطل الفيلم بعد أن فقد كل شيء وانزلق في حال اكتئاب وعزلة يشاهد مدير المؤسسة المالية التي فقد مدخراته بسببها يحتفل مع أصدقائه وبعد نقاش في الشارع بين جيم ومدير المؤسسة تطور إلى تشابك بالأيدي يهرب مدير المؤسسة المالية باتجاه الشارع ليلقى حتفه في حادث مروري عارض، من هنا تأتي فكرة الاغتيالات والانتقام إلى ذهن بطل الفيلم. هنا نجد أن إرهاب الرجل الأبيض ليس مبرراً فقط من خلال أكثر من نصف الفيلم بل هو شيء عرضي غير متعمد في الأصل، طارئ على سلوكه العقلاني المسالم. بعدها تبدأ فكرة اغتيالات رجال وول ستريت تسيطر على جيم الذي يبدأ فعلاً بخطة لاصطياد هؤلاء الذين دمروا حياته، فيعد قوائم بهم ويبدأ باستهدافهم واحداً واحداً باستخدام أسلحة متطورة تقنياً يتدرب عليها في شكل جيد ومستمر. هنا نجد فرقاً أساسياً بين الإرهابي الأبيض والإرهابي الشرق أوسطي من وجهة نظر هوليود، فالإرهابي الأبيض يستهدف أشخاصاً محددين، لا يقتل في شكل عشوائي أو يستهدف أبرياء، بل يقتل فقط من يستحق القتل مستخدماً أدوات متطورة، حتى إن جيم عندما قتل عدداً كبيراً من الناس لم يقتلهم اعتباطاً، بل قتلهم لأنهم يعملون في مؤسسة مالية سرقت الناس. وكان يميز بين أعدائه فسمح لرجل أن يخرج من المبنى تعاطفاً مع زوجته الحامل، ولم يقتل النساء أيضاً عندما أمرهم بمغادرة المبنى، أما الإرهابي من الشرق الأوسط في هوليود فهو في العادة يقتل الجميع دفعة واحدة ومن دون تمييز أو هدف، بما فيهم نفسه، لأن الإرهاب جزء من تكوينه اللاعقلاني بحسب الأفكار الاستشراقية. الطريف أن الفيلم يظهر أن الرجل الأبيض غير مشتبه به حتى، فبينما كان جيم يتناول الطعام مع أصدقائه القدامى وكان بعضهم رجال شرطة دار حديث حول الاعتداءات على رجال وول ستريت المهمين فقال جيم بأنه من قتلهم. هنا تعامل الجميع مع هذا الاعتراف كمزحة ولم يأخذه أي من الموجودين على محمل الجد، على رغم معرفة الجميع أن جيم يملك مبررات كافية لفعله الانتقامي. الملاحظة الأبرز عن الفيلم، على رغم كل القتل والدماء التي سالت بسبب رغبة جيم في الانتقام من النظام الاقتصادي الرأسمالي ككل، كما قال في حوارات آخر الفيلم، لم ترد كلمة «إرهاب» أو «إرهابي» في الفيلم نهائياً في أي سياق، وكأن كلمة «إرهاب» محتكرة تماماً لوصف العربي والمسلمين، ولا يجب استخدامها حال الحديث عن أي أحد سواهم. ومن هنا كان عنوان الفيلم الذي استخدم كلمة هجمات أو اعتداءات ولم يستخدم عبارة «إرهاب» في وول ستريت، كما حدث فعلاً، فتكييف الجريمة والاعتداء هنا يعتمد على هوية مرتكبها لا على الجريمة بحد ذاتها. يمكن رؤية هذا النموذج وتعميمه على أفلام أخرى تصور الجريمة نفسها بطرق مختلفة بناء على هوية المعتدي. لن تكف الأعمال السينمائية عن تنميط الآخرين، لكن - وهذا رأي المتخصص في هذه المسألة جاك شاهين - لا توجد مجموعة عرقية تم تشويهها من هوليود كالعرب. كاتب سعودي. blrashed@gmail.com