×
محافظة المنطقة الشرقية

“الخليفة” تحتفل بـ “عبدالرحمن” عريسًا

صورة الخبر

عندما ذهبت جائزة نوبل للآداب في العام الماضي إلى صحيفة بيلاروسية تدعى سفيتلانا ألكسيندروفنا ألكسيفيتش؛ أثارت نقاشا حول انحراف الجائزة لتشمل الصحافة والآداب المتفرعة منها، غير أن فوز هذه الصحفية فتح للقراء في كل مكان فرصة التعرف على تجربة فريدة في استثمار الواقع لإعادة انتاجه في نص واقعي كما في كتاب فتيان الزنك الصادر عن دار ممدوح عدوان في 368 صفحة. بداية، لنا أن نذكر بأن ألكسيفيتش ولدت في مدينة ستانيسلافوف، في أوكرانيا السوفيتية في 31 مايو 1948 م، واشتهرت بكتبها الواقعية التي توثق من خلال مونولوجات مطولة قصص ضحايا الحروب والكوارث النووية في كل من روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا والتي كانت سابقاً جزءًا من الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، تضم كتب ألكسيفيتش قصصاً مؤثرة لجنود وطيارين وموظفين وعمال وأمهات وزوجات بل وحتى أطفال مروا بتجارب مدمرة وبقوا ليحكوا لنا قصصهم المؤلمة. حصول سفيتلانا ألكسيفيتش على هذه الجائزة المرموقة دفع حركة الترجمة العربية إلى تقديم أعمالها للقارئ العربي، هكذا صدرت خلال العامين 2015 م و2016 م عدة ترجمات لألكسيفيتش، أولها صدور كتابها صلاة تشرنوبل عن دار طوى بترجمة مشتركة من ثائر زين الدين وفريد الشحف، صلاة تشرنوبل هو كتاب ألكسيفيتش الثالث حسب تاريخ الصدور، وقد ركزت فيه المؤلفة على تقديم شهادات ضحايا حادثة انفجار مفاعل تشرنوبل الشهيرة، والتي وقعت في 26 أبريل 1986 م، تصنف حادثة تشرنوبل على أنها إحدى أسوأ الحوادث النووية ولازالت تداعياتها حاضرة حتى اليوم. دار ممدوح عدوان قدمت خلال هذا العام ثلاث ترجمات عن طريق المترجم عبدالله حبه، حيث ترجم كتاب ألكسيفيتش الأول ليس للحرب وجه أنثوي والذي تقدم فيه مئتا امرأة روسية شهاداتهن عن الحرب العالمية الثانية، وكتابها الثاني فتيان الزنك والذي يتناول تجارب حرب أفغانستان، وكتابها الرابع آخر الشهود والذي تقدم فيه شهادات أطفال في أزمنة الحروب. في فتيان الزنك اختارت ألكسيفيتش لكتابها هذا العنوان المعبر جداً، حيث كان المقاتلون الأمميون السوفييت يعودون إلى عائلاتهم على غير توقع أو انتظار في توابيت من الزنك، خلفت الحرب السوفييتية الأفغانية قرابة الستين ألف قتيل وجريح على الجانب السوفييتي، في مقابل مليون قتيل وجريح على الجانب الأفغاني، بالإضافة إلى تدمير تام لأفغانستان وتهجير لملايين من الأفغان الذين لازال بعضهم يعيش في مخيمات بائسة في باكستان المجاورة، استمر التدخل السوفييتي تسعة أعوام امتدت من 1979 م وحتى الانسحاب سنة 1989 م، ورغم كل هذا كانت حرب أفغانستان حرباً صامتة في الداخل السوفييتي، لم يكن الشعب السوفييتي يعلم شيئاً عن هذه الحرب، وكانت الصحف السوفييتية نادراً ما تشير إلى ما يحدث في أفغانستان، وكانت الحكومة السوفييتية تصر على أن الوجود السوفييتي ليس عسكرياً وإنما هو لتقديم المساعدة والتنمية لحكومة وشعب أفغانستان، وحدها العائلات التي كان أبناؤها يعودون في التوابيت الزنكية من عرف بما يحدث. وتكشف لنا المؤلفة من خلال شهادات متعددة، كيف زج بمقاتلين صغار في السن، تخرجوا لتوهم من الأكاديميات العسكرية في حرب لا يعلمون عنها شيئاً، بعضهم كان يظن أن هذه الحرب ليست إلا نزهة تدريبية سيعود منها ببعض المال وبعض المقتنيات الرأسمالية المفقودة في الوطن، ولكنها كانت حرباً ضروساً لم يعد البعض منها، وعاد آخرون بلا أطراف أو بذاكرة ممتلئة بمشاهد القتل والجرائم والانتهاكات، وهو ما دفعهم إلى الكحول أو الانتحار فراراً من عذابات الضمير وذاكرة الدم. تعرضت سفيتلانا ألكسيفيتش لمحاكمات متعددة بسبب كتبها، حيث اعتبرها البعض مسيئة للتاريخ والوعي السوفييتي، بل رفعت عليها قضايا من بعض الأمهات اللواتي تحدثن لها عن آلامهن وأحزانهن، وعدن عندما نشر الكتاب ليرفضن ما كتبته ألكسيفيتش معتبرات أن كتاباتها تشوه صورة أبنائهن الذين قتلوا أبطالاً في أفغانستان، في حين أظهر كتاب ألكسيفيتش أنهم ليسوا كذلك، وأن حرب أفغانستان حرب عبثية، وأن السوفييت كانوا في هذه الحالة هم المعتدون على بلد ضعيف وشعب يدافع عن أرضه، على عكس قتلى الجيش السوفييتي في الحرب الوطنية العظمى – التسمية السوفييتية للحرب العالمية الثانية – والذين يعتبرهم الجميع أبطالاً، دافعوا عن أرضهم وشعبهم أمام النازيين. ولعل من أجمل ما قالته ألكسيفيتش في إحدى المحاكمات، وهي شهادتها التي وجهتها لأمهات فتيان الزنك الموجودات في المحكمة قولها: جئت لكي أتبادل الحديث مع الأمهات، وطلب المغفرة منهن لأنه لا يمكن إيجاد الحقيقة بلا ألم، ويبقى السؤال نفسه الوارد في كتابي: من نحن؟ ولماذا يمكن أن يفعلوا بنا أي شيء؟ إعادة الابن إلى الأم في تابوت من الزنك، ومن ثم إقناعها بأن تقيم دعوى في المحكمة ضد الكاتبة التي كتبت كيف أنها –أي الأم- لم تستطع تقبيل ابنها لآخر مرة وغسله بالأعشاب وتمسيد تابوت الزنك، فمن نحن؟ وقالت: ما أكثر الكتب التي كتبت عن الحرب! وما أكثر ما صنع بأيدي البشر وعقولهم من سلاح! بحيث أصبحت فكرة القتل شيئاً عادياً... لكنني أكره الحروب، وأكره فكرة أن يمتلك أحد ما الحق في سلب حياة إنسان آخر.