دعك من الوزراء الكثيرين ومن المسؤولين كثيري العدد الذين يتسنمون المكاتب الوثيرة في كل المناصب العليا في الدول، رجال الدولة، بالمعنى الاحترافي، قليلون، في كل دولة، ويعدون على الأصابع لأنهم نخبة النخبة وخلاصة الخلاصة وصفوة الصفوة، إذ هم تفرد خاص ومناقب في الأداء وشيم في الأفعال لا يستطيعها غيرهم ولا يقدر عليها اترابهم ولا يتحملها نظراؤهم. رجل الدولة ليس مصنوعاً، أو مكيفاً في معمل علاقات عامة أو مختبرات جامعات، مثلما هم اغلب مسؤولي العالم، بل هو دبلوماسي بالفطرة وسياسي رفيع بالغريزة، علمته الحياة تربية ومعايشة فنون العلاقات، ويتمتع برؤية ثاقبة وشخصية متواضعة صادقة مقدامة، يترفع عن الصغائر ووسوسات النفس المنتقمة الغاضبة، بعيد نظر، يملك قدرة السيطرة على اغراءات المنصب، وقدرة على مقاومة المنافقين الذين لا يوجد مسؤول في الدنيا، لا ماضياً ولا حاضراً، لم يبتل بهم. يمزج العاطفة بالعملية، والخبرة بالمعطيات، والقرار بالحكمة ومواجهة الصعاب بجلد وتحمل وحنكة، ونظراً لأن هذه الصفات شحيحة ونادرة أن تتجمع في شخص واحد، لهذا رجال الدولة حينما يتولون مناصب يسيطرون على المناصب ولا تسيطر عليهم، ويقودون المناصب ولا تقودهم، ويكتبون تاريخاً جديداً ويبتكرون مُثلاً ويتركون بصماتهم الخاصة ويكتبون تاريخهم. رجال الدولة الاحترافيون قليليون ونادرون، فإذا نظرنا إلى التاريخ، فإن عمر بن عبدالعزيز (الخليفة الراشد السادس بعد الحسن بن علي رضي الله عنه) أمضى سنتين فقط في الحكم، لكن التاريخ، أعدل القضاة، خلده وأشهره أكثر من مئات وآلاف الخلفاء والملوك والأمراء الذين حكموا الدنيا عقوداً، لأنه رجل دولة مؤثر، وترك بصماته وكتب تاريخه الخاص. والمملكة تشارك الدنيا في صناعة الحياة وكتابة التاريخ الراهن، وبرز فيها رجال دولة قليلون أحدهم سلمان بن عبدالعزيز، فارس عبقرية الدبلوماسية السعودية الراهنة، وهو ملك الحزم والعزم في الإدارة الداخلية. وبقراره بدأت «عاصفة الحزم» لمواجهة غطرسات نظام إيران وعدانيته، صفق لسلمان الحزم العرب الأعداء قبل الأصدقاء، وهو الباعث في الأمة روحها بعد أن خيم ظلام اليأس وعياء الانتظار، بعد أن فقدت الأمة العربية زعماءها. رجال الدولة ليسوا مجرد حكام تتحكم فيهم التقلبات اليومية وصروف الدهر ومستشارين منتفعين، بل هم قادة وزعماء، بعيدو النظر واستراتيجيون، يصممون مشروعاتهم بالحكمة والحنكة والتدبير الذكي، لهذا نقول: إن سلمان كان مسؤولاً ورجل دولة وبعد أن أصبح حاكماً أصبح زعيماً وقائد أمة. حينما ترحب المنطقة الشرقية بسلمان بن عبدالعزيز، فهي تحتفي بفارس عربي، وبعبقرية محكنة مجربة وخبرة طويلة ولامعة في إدارة الحكم، قبل أن تحتفي بملك وزعيم أمة. وتر سلمان ابن بيت خبرة الحكم أو الحكمة البيت الذي أنجب فاتحين وزعماء وأفذاذا طوعوا التاريخ.. كتبوا أمجادهم بضياء أقمار نجد وشموسها.. وأشهدوا مآذن البيت العتيق.. والمدينة المصطفاة.. وشواطئ البحر.. إذ يشدو بيد الحماد ورياح الشمال.. ووديان القصيم الخصيبة.. وخزامى خالدات الصمان ويزهو شموخ السروات.. وعاليات الجنوب.