الشارقة: علي كامل خطاب لم يتصور وايت القائد البريطاني المسؤول عن حركة الركاب، ومطار الشارقة، أن يسطر اسمه كأول مسؤول عن أول مطار في الخليج العربي، وهو يتفقد الحركة من غرفة مكتبه القابع في الجهة اليسرى من المدخل، التي أصبحت مصلى للزوار والعاملين، وذلك حين قررت شركة طيران إمبريال إيرويز التخلي عن رحلاتها عن طريق بلاد فارس، وتبني طريق جنوبي عبر الخليج للوصول إلى وجهتها في الشرق البعيد، فانضمت إلى الخط الجديد آنذاك الشارقة كإحدى هذه المحطات الجديدة بجانب عواصم عربية أخرى منها القاهرة والكويت والبحرين. ما زال عبق التاريخ ظاهراً في مبنى متحف المحطة التاريخي منذ إنشائه كأول مطار في بداية ثلاثينات القرن الماضي، ليرسم ملامح الشارقة، ويكون شاهداً حياً على واحدة من أخصب الفترات التاريخية التي عاشتها الإمارة الباسمة، وتتبع مسيرة الطيران، وتطور الحياة في مجتمع إمارة الشارقة. لعب مطار المحطة دوراً في ربط الشرق والغرب، فكان أهم أحد خطوط الملاحة الدولية، وحلقة وصل بين أوروبا والشرق آسيا ودول المنطقة، وكأهم موقع تجمع للرحلات الجوية التجارية. يأنس الزائر للوهلة الأولى بالمكان الزاخر بالطائرات القديمة، وعلى الرغم من قدم المباني، فإنه يحتفظ بشكله التراثي التقليدي، وتقسيم الغرف والرسم الهندسي نفسه منذ ثلاثينات القرن المنصرم، ولم يطرأ أي تغير عدا صبغ الحوائط بأصباغ جديدة فقط، بدءاً من برج المراقبة المستقر في مكانه على يسار المدخل الرئيسي، وساحة استراحة الركاب بشكلها التراثي في الباحة الداخلية، ومكاتب العاملين على الجهتين اليسرى واليمنى وفي الواجهة قاعات المتحف، القابع في منطقة القاسمية بالشارقة والذي يعتبر وجهة مهمة للتعرف إلى تاريخ الإمارة. خمس قاعات تقول ميثاء راشد بوشبص، مرشدة من متحف المحطة: ينقسم مبنى المتحف إلى 5 أقسام رئيسية، تمثل المبنى في مجمله وهي حظيرة الطيران، وقاعة تقنيات الطيران، وقاعة معجزات الطيران وتاريخه، والعربية للطيران، وقاعة معرض الصور. وتضيف راشد: تضم حظيرة الطائرات 5 طائرات حقيقية تراثية، تحتوي على مقصورتي قيادة، بالإضافة إلى عربة تزويد الوقود، وخريطة توضح أهم المحطات التي كانت تهبط فيها الطائرات. ومن أنواع الطائرات المتواجدة طائرة هانو، وطائرة الشحن كوميت وهي أول طائرة تجارية نفاثة في العالم، بدأت في تقديم خدمة نقل الركاب في الثاني من مايو/أيار 1952، بجانب مقصورة القيادة التي تعد أول طراز من طائرات الكوميت 2 التجارية التي استخدمت محركات من نوع رولز رويس أفون، وحلّقت أولى رحلات هذه الطائرة عام 1953، وسجلت هذه الطائرة الرقم القياسي في السرعة والمسافة عند قيامها بأول رحلة طيران من لندن بالمملكة المتحدة إلى الخرطوم السودان عام 1954 في زمن قدره 6.5 ساعات وبسرعة متوسطة تبلغ 481 ميلاً في الساعة. ويوجد عدد كبير من الطائرات الحربية والركاب وغيرها منها طائرة بريطانية يعود تاريخها إلى عام 1967، وعدد ركابها 4، وهي عسكرية وتستخدم في التدريب العسكري، وطائرة إدمير وهي صنعت أمريكا في عام 1945، وعدد ركابها 21 راكباً وهي تابعة لطيران الخليج، وطائرة ثيروم وركابها 14 راكباً، وقامت برحلات من مسقط والدوحة والبحرين وغيرها ويطلق عليها طائرة أم أحمد لإنجاب سيدة بحرينية ولداً أسمته أحمد أثناء إحدى الرحلات على متنها، وطائرة دوف وهي صناعة بريطانية في عام 1947 وتحمل 8-11 راكبا، وتضم القاعة أيضاً سيارة تزويد وقود صنعت في يونيو من عام 1947. أول رحلة جوية هانو تقول راشد: هبط هورسي قائد الطائرة هانو لأول مرة على أرض الشارقة عصر الخامس من أكتوبر في عام 1932 وكان أهل الشارقة جميعاً في استقباله، بصحبة حاكم الشارقة وقتها سمو الشيخ صقر القاسمي، وكانت الطائرة مقبلة من جوادر ومتجهة إلى البحرين، وكانت تحمل على متنها ركاباً وقطع غيار، حيث تمت ترتيبات هبوط الطائرة وإعادة تزويدها بالوقود بشكل سلس ورائع، وكان حراس المحطة على دراية كاملة بعملهم وقاموا به على أكمل وجه. وتضيف: يضم متحف المحطة قاعة صور تحتوي على الصور القديمة لهبوط أول طائرة للمحطة والحياة اليومية في مدينة الشارقة، بالإضافة إلى صور تشييد مرحلة بناء المحطة. وبها خريطة توضح أهم المحطات للطائرات، وصورا توضح طرق استقبال نزلاء مطار المحطة بالشارقة، وبها سجلات وثائقية وكتب منها كتاب الطيار لتسجيل الرحلات، وآخر مختص بدرجات الحرارة، وتقارير قائد الطائرة عن الرحلات التي يقوم بها، بجانب صور لقائد المحطة وغيرها من الصور التاريخية. قاعة التقنيات تقول راشد: تحتوي قاعة تقنيات الطيران على أجزاء الطائرات ومقتنياتها، وأبرزها أجهزة الطائرة، والعجلات الكبيرة الضخمة التي كانت تهبط بها الطائرة على الرمال، بجانب قسم السلامة والأمان منها الصندوق الأسود وطفايات الحريق وغيرها من مقتنيات السلامة على الطائرة في حال الكوارث، كما تضم القاعة قسماً للطيور المحنطة. توجد لوحات ترصد تطور العمل في المطار، ونماذج تخيلية لطيور عملاقة استفاد منها الإنسان في رحلته لتعلم الطيران، بجانب محركات طائرات حقيقية، وصناديق سود، وسجلات بيانات الطقس الخاصة بالملاحة الجوية ورصد حالة الطقس، وجهاز هاتف قديم ومعدات تزويد الطائرات بالوقود، واستبدال الزيوت، ونموذج مصغر لمدرج المطار والأبنية المحيطة به، وأجهزة الملاحة الجوية المستخدمة في الاتصال مع أبراج المراقبة في المطارات المختلفة. أول رحلة تجارية أول رحلة طيران تجارية من البحرين إلى الشارقة تمت في يونيو 1932، واستخدمت الشارقة لأغراض النقل من قبل أسراب الأسطول الجوي الملكي وتحولت مع اندلاع الحرب العالمية الثانية إلى قاعدة لعمليات الطيران الحربي، مثلما كانت الطائرات التي تستعمل لمراقبة الغواصات والاستطلاع التصويري والتصوير الجغرافي الجوي، وفي السنوات التي تلت الحرب دخلت الشارقة عصر استقبال الطائرات النفاثة الضخمة عندما هبطت فيها ثلاث طائرات تابعة لسلاح الطيران الهندي، وغادرت آخر الطائرات العسكرية البريطانية في ديسمبر 1971 وكانت ثمانية من طراز هنترز. صندوقان أسودان يعرض المتحف عدداً من الصناديق السوداء الخاصة بالطائرات، ذات اللون البرتقالي أو الأصفر الفسفوري، تعود لعام 1954 وتسجل تفاصيل رحلات الطيران، عند حطام الطائرة في حالات الكوارث وحوادث الطائرات. تقول راشد: يوجد على متن كل طائرة صندوقان يقعان في مؤخرة الطائرة يسجلان ما يحدث للطائرة طول فترة سفرها، وسبب التسمية باللون الأسود لارتباطه بالكوارث والحوادث عند تحطم الطائرات، وتؤكد لونه الأسود من الداخل لمنع التسربات الضوئية من تدمير شريط التسجيل، كما في غرف التصوير الفوتوغرافي. تضيف: تعرض القاعة عدداً من مقصورات التحكم في الطائرات، وتتيح فرصة الجلوس على مقاعد قيادة الطائرات والتعرف عن قرب على طبيعة عمل الطيار وأهم الأجهزة والمعدات التي يستخدمها أثناء القيادة وهناك مقصورتان لطائرتين مختلفتي الطراز. نافذة على العالم الخارجي لعب مطار المحطة مطار الشارقة القديم منذ إنشائه، دوراً تاريخياً في الانفتاح على العالم الخارجي حيث يعد أول مطار يقام على أرض الإمارات ويعطى الفرصة كوسيلة سريعة وسهلة للانتقال من الشارقة إلى دول الخليج والعالم ليخرج بذلك الشارقة والإمارات من عزلتها ويجعلها تفتح أبوابها على الدنيا والعالم، وتكمن أهمية متحف المحطة بالنسبة للزوار اليوم وخاصة الأجيال الجديدة، من خلال توضيحه لفترة مهمة من تاريخ الإمارات، كما يعكس مرحلة مهمة من مراحل التطور التي مرت به دولة الإمارات من خلال أقسامه مثل جناح الطيران وقسم المخترعات وقسم الحرف والمهن القديمة، ويعود تاريخ المطار إلى بداية الثلاثينات. تاريخ الطيران تضم القاعة عدداً من الصور والمجسمات التاريخية عن تاريخ الطيران، بدءاً من محاولاته الأولى، ونماذج تقليدية وهياكل لطيور متنوعة وحشرات وحيوانات كلها متعلقة بأنشطة الطيران، بجانب أهم العلماء والمخترعين الذي اهتموا بتقنية الطيران منذ بدء الخليقة، بجانب قاعة طيران العربية التي خصص لها المتحف قسماً لطيران العربية التي تعرض فيه تاريخ الشركة وصور لأهم العاملين بها منذ التأسيس. وتوضح راشد، قائلة: يحتوي المتحف على سينما للفن السابع وهي السينما الأولى بالشارقة ومنطقة الخليج العربي، وكانت عبارة عن سور مربع الشكل وشاشة متوسطة الحجم، وأمامها دكة تشبه منصة المسرح، ويقابلها من الطرف الآخر غرفة علوية توضع فيها آلة العرض السينمائية، كما توجد أماكن لجلوس المشاهدين، وأغلبهم من العاملين بالمحطة، وكانت أول دار عرض سينمائي خاصة بالأفلام السينمائية الصامتة، وأنشأت بغرض التسلية والترفيه وكانت تعرض أفلاماً وثائقية قصيرة وترفيهية، وضاحكة، وهو بذلك أخرج الإمارة الباسمة من عزلتها وربطها بالعالم ثقافياً وجغرافياً.