عمرو عبد العاطي مثّل فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، المرشحة المفضلة من الدوائر الأطلسية لمواقفها الداعمة للأمن الأوروبي، في انتخابات الثامن من نوفمبر تشرين الثاني الجاري صدمة للدول الأوروبية لا تقل عن صدمتها من نتائج الاستفتاء على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، نظراً لما أعلنه خلال حملته الانتخابية من أن الأمن الأوروبي لا يأتي على أولويات سياسته الخارجية، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تستمر في لعب دور رجل الشرطة في أوروبا. وصف ترامب حلف شمال الأطلسي (ناتو) بأنه حلف عفى عليه الزمن، وأنه مكلف جداً للولايات المتحدة، فهو لا يعترف بالأهمية الاستراتيجية للحلف في ضمان الاستقرار والأمن الدوليين، ولا للعلاقات الأمريكية عبر الأطلسي، ناهيك عن تصريحاته التي تؤشر لتقارب أمريكي- روسي ، ولهذا كان انتخابه بمثابة وقع الصاعقة على الدول الأوروبية. وعلى الرغم من التصريحات الدبلوماسية الأوروبية لفوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وأن هناك فرصاً للتعاون الأمريكي الأوروبي في ظل صعوبة التحرك الأمريكي أو الأوروبي المنفرد لمواجهة التحديات الأمنية التي لا تقتصر تبعاتها على الولايات المتحدة أو أوروبا فقط لكن على النظام الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة بالتعاون مع القوى الأوروبية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت هناك تصريحات أوروبية عكست حالة الخوف من فوز المرشح الجمهوري. منها توقع رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز ووزير الخارجية الألماني فالتر شتاينماير أن تكون العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أكثر صعوبة بعد فوز ترامب. وعقب ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية دعا شتاينماير دول الاتحاد الأوروبي إلى عدم التعويل على الولايات المتحدة للحفاظ على أمن ومصالح دول القارة. ومع تصاعد حالة الهلع الأوروبي بعد انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، حاول الرئيس باراك أوباما خلال زيارته الأخيرة لأوروبا طمأنه حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي سيخلفه في العشرين من يناير كانون الثاني القادم لن يفكك التحالف بين جانبي الأطلسي. وقد دعا أوباما ترامب من برلين إلى أن يقف في وجه روسيا في حال الضرورة، وألا يسعى إلى تسويات بأي ثمن مع موسكو. ويكمن التخوف الأوروبي من فوز ترامب في أنه للمرة الأولى منذ عام 1941 لم يعد بوسع الدول الأوروبية الاعتماد على المظلة الدفاعية الأمريكية للحفاظ على الأمن الأوروبي لتواجه الدول الأوروبية تحدياتها الأمنية بمفردها، والسماح لروسيا بالتمدد في شرق ووسط أوروبا، والموافقة على الدور الروسي في سوريا وأوكرانيا، الذي يمنحها اعترافاً أمريكياً بعودة روسيا للعب دور مؤثر في النظام الدولي افتقدته منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق في بداية تسعينات القرن المنصرم، وهو الأمر الذي ستكون له انعكاساته السلبية على الداخل الأوروبي، ما يعزز من فرص اليمين المتطرف مع قرب الانتخابات الرئاسية والتشريعية في عدد من الدول الأوروبية المفصلية، وزيادة حدة التباين في المواقف داخل دول الاتحاد الأوروبي، وتشجيع دول على طرح فكرة الانفصال من الاتحاد على غرار بريطانيا، ما يهدد من فاعلية الاتحاد الأوروبي وتماسكه مع بروز النزاعات القومية داخل دوله. ويضاف إلى قضايا الخلافات الأمريكية الأوروبية عقب فوز ترامب ملف الاتفاق النووي الإيراني الذي تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بتمزيقه، لأنه أسوأ اتفاقية في تاريخ الولايات المتحدة، في وقت تتمسك به الدول الأوروبية خوفاً من أن إنهاءه أو تعطيله قد يدفع طهران لاستئناف برنامجها النووي. وفي ظل صعوبة إنهاء ترامب الاتفاق النووي، فإنه قد يسعى إلى فرض مزيد من العقوبات على إيران، لا سيما مع تمتع الجمهوريين بالأغلبية في مجلسي الكونغرس (مجلس النواب والشيوخ)، وهو ما تم بالفعل في الخامس عشر من نوفمبر تشرين الثاني الجاري بتمرير مشروع قانون يجدد العقوبات المفروضة على إيران لمدة عشر سنوات، لكن الدول الأوروبية من المرجح ألا توافق على إعادة فرض قيود اقتصادية على طهران بعد أن تم رفعها مقابل إبرام الاتفاق، واستمرار الالتزام الإيراني ببنوده الذي لعبت الدول الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) دوراً محورياً في التوصل إليه في الرابع عشر من يوليو تموز 2015. وسيضر إقدام الرئيس المنتخب على تنفيذ تعهداته بتقليل عدد القوات الأمريكية المتمركزة في أوروبا بأمن الدول الأوروبية لا سيما ألمانيا التي لا تتوافر لديها قوات عسكرية تسد الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي. وهو الأمر الذي يدفع الدول الأوروبية وحلف شمال الأطلسي للبحث عن خطط أوروبية بديلة لمواجهة احتمال تقليل الانخراط الأمريكي في أوروبا، وتحقيق الأمن الأوروبي بعيداً عن الولايات المتحدة الأمريكية وإعادة النظر في سياساتها الدفاعية، وتسريع المحادثات حول إنشاء جيش أوروبي موحد تقوده ألمانيا وفرنسا والتي يصاحبها مخاوف من استيقاظ المارد الألماني بعد فترة من الخمود عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، الذي يحمل في طياته خروج القوى الأوروبية من فلك الولايات المتحدة، ما يؤشر لفترة من التوتر الأمريكي الأوروبي، لتبني الدول الأوروبية سياسات خارجية تتعارض مع تلك التي تتبناها إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب خاصة لمواجهة النفوذ الروسي أوروبياً وعالمياً. خلاصة القول: إن انتخاب دونالد ترامب رئيساً جديداً للولايات المتحدة يفرض على الأوروبيين الاستعداد لعلاقات قد تكون متوترة في المستقبل مع واشنطن، لعدم إيلاء الرئيس الجديد أهمية للأمن الأوروبي على عكس رؤساء الولايات المتحدة السابقين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وربط استمرار الالتزام الأمريكي بالأمن الأوروبي بإيفاء الدول الأوروبية بالتزاماتها الدفاعية، وعدم الاعتراف بالأهمية الاستراتيجية لحلف شمال الأطلنطي، وسعي الإدارة الأمريكية الجديدة إلى إقامة علاقات وثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والحديث عن تعاون أمريكي روسي في ملفات من قبيل الحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط، والسماح لموسكو بدور أكبر في سوريا، الأمر الذي ينذر بتوترات جمة في العلاقات الأمريكية الأوروبية خلال السنوات الأربع القادمة على أقل تقدير. * باحث متخصص في الشؤون الأمريكية محرر مشارك بمجلة السياسة الدولية