التحول الحقيقي في المجتمع تقوده الجامعات فهي المكان المناسب لتخريج العلماء وممارسة الأنشطة العلمية والثقافية والاجتماعية والرياضية، وهي المكان المناسب لشغل فراغ الطالب أو الطالبة بما يفيد.. لا أتوقع أن تتحول جامعة أو مدرسة إلى خلية من نشاط وحراك فكري وبدني إلا إذا كان مديرها أو قائدها يؤمن بذلك ويعده جزءا مهما من برنامجه اليومي، من يقبع في مكتبه ويُشغل بكم هائل من المعاملات والاجتماعات المجدولة التي تمتد لساعات، سيغيب عن المشهد الحقيقي الذي من أجله وجدت الجامعة أو المدرسة وهم الطلبة وأنشطتهم المختلفة، حسن اختيار القائد هو سرُّ نجاح الجامعة. قبل أيام دعيت إلى لقاء مع طلبة وطالبات كلية الإعلام والاتصال في جامعة الإمام للحديث عن الخطوات التي تؤدي إلى النجاح، كوضع الأهداف والخطط، واكتساب العادات التي تزيدنا قوة كالقراءة والرياضة، وقد سرّني ما رأيت من نشاط في تلك الكلية بوجه خاص وجامعة الإمام بشكل عام، ففي الكلية دعاني نادي الإعلام الجديد وبحضور عميد الكلية والقائمين على النادي وقناة الجامعة، وكان الطلبة والطالبات الحضور هم أجمل ما في اللقاء بمداخلاتهم وأسئلتهم وحماسهم، وقد سرّني كثيراً أن أكثر الطلبة يعملون أثناء الدراسة لاستثمار الوقت وكسب المزيد من الخبرة والمعرفة والمال، جامعة الإمام تشهد أنشطة مختلفة على أكثر من صعيد. التحول الحقيقي في المجتمع تقوده الجامعات فهي المكان المناسب لتخريج العلماء وممارسة الأنشطة العلمية والثقافية والاجتماعية والرياضية، وهي المكان المناسب لشغل فراغ الطالب أو الطالبة بما يفيد، وزرع عادات مفيدة تنهض بالمجتمع وتوجهه من استهلاك الوقت بلا طائل كالسهر في المقاهي والاستراحات الخاصة إلى أنشطة الجامعة اللامنهجية، التي تقام على مسارحها وفي قاعاتها المهيأة بكل وسائل العرض، وعلى ملاعبها التي تزين الحرم الجامعي لكل جامعة، والاستفادة من مضامير المشي والحدائق، ليس للطلبة فقط، لكن لأولياء الأمور وسكان الأحياء المجاورة، وفي كثير من الدول نجد أنه لا توجد أسوار تفصل الجامعة عن الأحياء والطرق المحيطة بها، بل حدائق وأشجار يستظل تحتها الطلبة ويمارس الجمهور فيها رياضة المشي وركوب الدراجات الهوائية، ويتناولون الطعام في مطاعمها ويستفيدن من مكتباتها، ونفس الشيء ينطبق على مدارس الحي التي تسهم في نشر الوعي الصحي والبيئي ويشارك أولياء أمور الطلبة في تنظيم مثل هذه الفعاليات. التحول الوطني من الكسل والسلبية إلى النشاط والإيجابية، ومن البطالة إلى العمل، ومن الأمراض المزمنة التي تسببها السمنة والتدخين إلى فضاء الصحة وممارسة الرياضة والعمل والعيش في بيئة صحية يحتاج إلى جهود كثيرة، وقت طويل لترسيخها، جهود تشارك فيها جهات كثيرة من أهمها الجامعات والمدارس ومنها: أولاً: خدمة المجتمع وظيفة أساسية للجامعات وأخطر ما يواجه الجامعة هو تقوقعها داخل أسوار عالية تفصلها عن المجتمع وتحدياته وهمومه، وتحصر وظيفتها في تخريج طلبة بشهادات علمية ومهنية دون أن يمارسوا المهن أثناء دراستهم، فالجامعة يجب أن تتفاعل مع كل متطلبات المجتمع وتسهم في حل ما يواجهه من تحديات. يجب أن يكون لكل جامعة ولكل كلية وكالة لخدمة المجتمع حسب تخصصها، فالكليات الصحية تقيم المحاضرات والندوات والفعاليات التي تعزز صحة المجتمع، سواء داخل الجامعة أو في الأسواق التجارية أو في المراكز الثقافية، كما تجري الدراسات والأبحاث التطبيقية التي تفيد المجتمع وتسهم في تعزيز الوقاية والوعي بأهمية الصحة. وكلية الإعلام تشارك في صناعة إعلام فاعل على مستوى المملكة وتخرج إعلاميين تدربوا وعملوا أثناء دراستهم في هذا المجال وهكذا في كل كلية وحسب تخصصها. ولنتذكر الحكمة التي يجب أن تعلق في مدخل كل كلية ومدرسة ليستوعبها الطلبة وهي: لن تتعلم السباحة من كتاب. ثانياً: التطوع ركن أساس لقيام منظمات مجتمع مدني فاعل، ويفضل أن يكون أحد متطلبات التخرج، وقد التقيت بطلبة مبتعثين انخرطوا في أنشطة تطوعية لها علاقة بخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة وخدمة المجتمع والمحافظة على البيئة والمساهمة مع الأساتذة في إجراء الدراسات وجمع البيانات مما يعد تدريبا عمليا لما بعد التخرج. ومن المهم أن يساهم الطلبة في تفعيل الجمعيات العلمية والقيام بأنشطة خارج الجامعة لدراسة الظواهر السلبية في المجتمع والبحث عن أفضل الحلول العلمية لحلها. ثالثاً: ومن المهم أن تساهم الجامعات في تنشيط اقتصاد المعرفة فهي المحرك الأساس له، ولا بد من عناية مدير الجامعة بهذا الجانب فيوجِد مقراً داخل الجامعة للشركات التي تهتم بالبحث العلمي وحاضنات التقنية مثل وادي الرياض ووادي الظهران ووادي مكة ووادي جدة التي أنشأتها الجامعات لتعزيز الابتكار وإنشاء الشركات على غرار ما تقوم به الجامعات العريقة في الدول المتقدمة، ومن المهم أن تسهم الجامعات بمكافحة الفقر عن طريق تدريب الأسر المنتجة على أفضل أساليب الإنتاج وإعطائها الفرصة لعرض منتجاتها في المناسبات الكبيرة للجامعة. ومن أهم أدوار الجامعة نشر ثقافة القراءة باحتضان معرض للكتاب مرة في كل عام حتى يستفيد أبناء المنطقة من هذه الفعالية الثقافية والاقتصادية، مع التركيز على كتب الأطفال التي تعد القراءة من أهم أسباب تفوقهم. إذا أردنا نجاح التحول فعلينا أن نبدأ بتغيير ثقافة المجتمع وإحلال عادات جيدة بدل عادات مضرة جلبت الخمول والكسل والمرض، علينا أن نشجعهم على العمل والإنتاج، ومن يستطيع القيام بذلك غير التعليم بكل مراحله وإمكاناته وفي مقدمته الجامعات.