الرياض: عبد الله الرشيد كان الصمت والترقب هما سيد الموقف، بعد أن أعلن زعيم «دولة العراق والشام» أبو بكر البغدادي في التاسع من أبريل (نيسان) 2013 دمج فرع التنظيم في سوريا «جبهة النصرة» مع دولة العراق الإسلامية، تحت مسمى «دولة العراق والشام الإسلامية». المتعاطفون مع «جبهة النصرة» حولوا أنظارهم بـ«ترقب» مرحبين ومؤيدين للواء الجديد القادم إلى سوريا، على اعتبار أنه الإطار المرجعي لجبهات القتال التي تستقطب مقاتلين من الخارج. ويعلق الناشط السوري عدنان العرعور، في قناة «شدا الحرية الفضائية»، مطلع سبتمبر (أيلول) 2013 قائلا «نحن مع كل الذين يقاتلون النظام، ففي النصرة والدولة رجال مخلصون ومستقيمون». في حين علق الناشط السعودي يوسف الأحمد على منتقدي «المجاهدين في سوريا» عبر حسابه في «تويتر» في أكتوبر (تشرين الأول) 2013، واصفا بأن «كثيرا مما ينسب إلى المجاهدين من تهم هو غير صحيح أو دقيق». الأمر ذاته حدث مع الناشط الكويتي شافي العجمي حين سئل عن رأيه في أن «دولة العراق والشام مخترقة من إيران؟»، حيث رد مدافعا بأن هذه «مجرد دعوى ليبرالية» كما ورد في حسابه الشخصي في «تويتر» أواخر أكتوبر 2013. لكن تداعيات الأحداث، ورفض زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني، الذي أعلن مبايعته لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، رافضا الانضمام تحت لواء «دولة العراق والشام»، ومن ثم بيان الظواهري في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 الذي قرر إلغاء «دولة العراق والشام»، و«استمرار العمل باسم دولة العراق الإسلامية فقط»، وأن «جبهة النصرة هي فرع مستقل لجماعة قاعدة الجهاد يتبع القيادة العامة»، وأن «الولاية المكانية لدولة العراق هي العراق، والولاية لجبهة النصرة لأهل الشام هي سوريا»، ومن ثم أعقب ذلك اشتباك وقتال مباشر بين فصائل «داعش» التي رفضت أوامر الظواهري، وواجهت كوادر جبهة النصرة، وأعلنت ضدها الحرب.. كل هذه التداعيات والمعطيات قلبت الموقف رأسا على عقب لدى المترقبين لتبصر حقيقة «داعش» وموقفها من «جبهة النصرة»، فانقلب موقف التعاطف إلى عداء مباشر، وصدرت بيانات شديدة وصريحة في التحذير من «داعش» وبيان خطرها، على «الجهاد الشامي»، في حين أن «جبهة النصرة» كانت ترد في مقابل هذه التحذيرات من «داعش» بأنها «الراية الشرعية الصحيحة». شن يوسف الأحمد هجوما عنيفا على «داعش» في بيان له صدر مطلع فبراير (شباط) 2014، مطالبا بمحاكمة أعضاء «داعش» الذين قتلوا واختطفوا كوادر من «جبهة النصرة»، معتبرا أن «داعش» أصبحت «مخالفة للشرع، وتكفر الكثير من المسلمين في بلاد الشام». الموقف ذاته نحاه عبد العزيز الطريفي، أحد رموز السلفية الحركية في السعودية، الذي أكد في يناير (كانون الثاني) 2014 أنه «لا يجوز القتال تحت راية دولة العراق والشام، لأنها لا تقبل بتحكيم الشرع»، داعيا إلى الانشقاق عنها، فغيرها من الرايات «كثيرة، وهي عديدة ومتنوعة». نفسه عدنان العرعور، بعد أن اشتبكت «داعش» مع جبهة النصرة، وقتلت عددا من أعضائها ورفضت القبول بمحكمة «شرعية مستقلة»، علق قائلا «لقد انكشف المستور، (داعش) مجرمة وخائنة، ومخترقة من النظام، فالمجرم من يقتل المجاهدين ولا يقدم شبابه للمحكمة». أما الناشط الكويتي شافي العجمي فانقلب على موقفه ووصف «داعش» بأنها تنظيم خطر أجنبي على الثورة السورية، ومخترقة من إيران. وحسب ما نقلته «سي إن إن» فإن العجمي شن هجوما عنيفا على «داعش» لعصيانها أوامر زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ولقتالها الفصائل الجهادية الأخرى وعلى رأسها «جبهة النصرة». اللافت للنظر أن صدور البيانات المنددة، والمحذرة من «داعش»، جاء بعد بيان الظواهري، والاشتباك المسلح بين الفصيلين، في حين أن بعض هذه البيانات تصدر من أفراد وفئات تنتمي إلى تيار «القاعدة» الجهادي، ولا تختلف معه في المجمل، مثل أبو بصير الطرطوسي، وأبو محمد المقدسي، وأبو قتادة الفلسطيني، وغيرهم من منظري التيارات الجهادية الذين يصفون «داعش» بأنها فرقة من «الخوارج الغلاة، ولا يجوز القتال تحت لوائهم، فـ(القاعدة) والشيخ أيمن الظواهري منهم براء»، كما يؤكد ذلك عبد المنعم حليمة، المشهور بـ«أبو بصير الطرطوسي» الذي يعد من أبرز المنظرين للسلفية الجهادية، مما يوضح أن «جبهة النصرة» وفق هذا السياق هي المعبر الحقيقي عن أهداف ورؤى تنظيم القاعدة، في حين تمردت «داعش» وشقت لها قيادتها ونفوذها الخاص، مما يدل على أنه مجرد اقتتال داخلي بين فئتين نبعتا من منبع واحد، وتشكلتا وفق ظروف واحدة، وقامتا على النهج ذاته، وهو ما أكده بيان وزارة الداخلية السعودية الذي نص على اعتبار «جبهة النصرة»، و«داعش» جماعات إرهابية على السواء. * بعد تصنيف «جبهة النصرة» بالإرهاب * في تعليقه على تصنيف أميركا «جبهة النصرة السورية» كجماعة إرهابية، وصف الشيخ السعودي ناصر العمر، أحد رموز الصحوة، هذا القرار قائلا «نحن في نظر أميركا إرهابيون، فكل من يجاهد في سبيل الله هو إرهابي في نظرها». وأضاف العمر في حديث له على قناة «المجد» الفضائية في ديسمبر (كانون الأول) 2012 أن «أميركا هي زعيمة الظلم، والإرهاب، فتصنيف أميركا للنصرة بأنها إرهابية هو شهادة لها لأنها تقاتل في سبيل الله». الموقف نفسه أكده يوسف الأحمد، حين قال في لقاء تلفزيوني بأن وصف أميركا «لجبهة النصرة بالإرهاب هو شرف لها، وثناء منهم لها، فالإرهاب ليس كله مذموما، بل منه ما هو مطلوب شرعا». * جهود للمصالحة بين «النصرة»، و«داعش» * وفي ظل احتدام المواجهات المسلحة بين فصائل جبهة النصرة، وداعش، توالت الدعوات والبيانات والواسطات التي تسعى إلى رأب «الصدع»، و«الفتنة» بين «المجاهدين»، وتوحيد صفوفهم من جديد. ففي مبادرة شهيرة بعنوان «مبادرة الأمة»، قدم الداعية السعودي عبد الله المحسيني في 23 يناير 2014 مقترحا لحل الأزمة القائمة بين «داعش» و«النصرة»، عبر هدنة زمنية مدتها خمسة أيام، وتنص على وقف فوري للقتال بين فصائل دولة العراق والشام وجبهة النصرة، وتشكيل محكمة شرعية بين الأطراف المتقاتلة، وفقا لما نشره المحيسني على موقعه الشخصي. المحيسني الذي ينشط من أرض سوريا، ويسعى للصلح بين الفصائل المقاتلة هناك، لاقت دعوته أصداء، فأيدتها جبهة النصرة، ووافق عليها أبو محمد الجولاني، لكن «داعش» رفضتها. من جانب آخر، وفي سياق المصالحة بين الجماعات المقاتلة في سوريا، وجه عبد العزيز الطريفي رسالة لمن سماهم «أهل الثغور في الشام»، يطالبهم فيها بالتوحد ونبذ الاقتتال في ما بينهم، قال فيها «عليكم بالاجتماع، فإن لم تجتمعوا على كمال في الحق فلا تتفرقوا بسبب نقص بعضكم.. لا تفرقكم بدعة ومعصية فإنكم تقابلون كفرا.. ولا يضرب بعضكم رقاب بعض». الطريفي أكد في لقاء سابق له على قناة الرسالة في فبراير (شباط) 2013، معلقا حول الاقتتال بين «المجاهدين» ووقوعهم في الخطأ، بأن هذه الأخطاء هي من «الأمور الفطرية الطبيعية. لكن وقوعها لا يلغي الأصل وهو الجهاد، ولذلك في هذا الأمر نقول تُصحح الأخطاء، ولكن لا يلغى جانب التشريع، فنكون عونا للمجاهدين من جهة التصحيح، ولا نكون عونا للشيطان عليهم، ولا عونا للشيطان على إلغاء هذه الشعيرة». أما عبد العزيز الجليل، أحد الرموز العلمية لدى السرورية في السعودية، فوصف اقتتال «المجاهدين» بأنه «فتنة عظيمة»، قائلا في مقال نشر في موقعه الشخصي منتصف يناير 2014 إن «الأمة أصيبت برزية عظيمة، وفتنة عمياء، قضت مضجع الدعاة والعلماء الصالحين، وأفرحت أعداء الأمة الكفار بعد ما حل بإخواننا المجاهدين في أرض الشام من تحزب وتفرق وحرب بالبيان والسنان»، داعيا إلى اعتزال جميع أطراف الفتنة وعدم الخوض فيها. وفي السياق ذاته، وتداركا للأخطار المحيطة بـ«الجهاد الشامي» في ظل الاقتتال القائم بين «جبهة النصرة»، و«داعش» وغيرهما من الفصائل السورية، أصدر عدد من الشخصيات الإسلامية في السعودية من أبرزهم «عبد الله الغنيمان، عبد الرحمن المحمود، ناصر العمر، عبد العزيز العبد اللطيف، سليمان العودة»، وآخرون، نداء بوقف القتال بين «المجاهدين»، في بيان نشره موقع «المسلم» في التاسع من يناير 2014، أكدوا فيه أن الطريق إلى نهضة الأمة لن يكون إلا عبر «إقامة الجهاد، وتحكيم شرع الله؛ فهو الواجب الأعظم على الأمة أفرادا وجماعات»، موجهين الحديث بعد ذلك إلى الفصائل الجهادية المتناحرة بأن تبتعد عن «الفرقة والاقتتال والتكفير والغلو والبغي»، لأن في ذلك «ضياعا لجهد إخواننا المجاهدين على أرض الشام، وخدمة لأعداء الجهاد المتربصين به». وختم البيان بالقول «نسأل الله أن يحفظ إخواننا المجاهدين في كل مكان، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يكف بأس الذين كفروا عن المسلمين في كل مكان». وفي بيان آخر لهم صدر في ديسمبر 2013، أشاد الموقعين ذاتهم على البيان بتأسيس «الجبهة الإسلامية في سوريا»، داعين إلى «التعاون معها تحقيقا للغاية الكبرى بتحرير أرض الشام من الباطنيين وتحكيما لشرع الله فيها». جاء ذلك في بيان وقع عليه 70 من الناشطين والإسلاميين السعوديين في بيان نشره موقع «المسلم» أيضا، حيث أكدوا فيه أن تشكيل «الجبهة الإسلامية» الذي ضم أكبر الفصائل الإسلامية العاملة في سوريا «أفرح قلوب الموحدين وملأهم أملا واستبشارا بالنصر والتمكين». ودعا الموقعون على البيان، ومن أبرزهم «ناصر العمر، وعبد الله الوطبان، وعبد العزيز التركي، وخالد الماجد، وناصر الأحمد، وخالد العجيمي.. وآخرون» كل من لم ينضم للجبهة الإسلامية، لأن «يكون عونا لإخوانه فيها، وليكن عمله مكملا لعملهم للوقوف في وجه أضر مشروعين على الأمة، المشروع الصهيوأميركي والمشروع الصفوي الرافضي المدعوم من روسيا والصين». ودعا البيان كل المسلمين إلى دعم جميع الفصائل الجهادية المقاتلة في سوريا بعامة، داعيا «جبهة النصرة»، و«داعش» وغيرهما إلى وقف الاقتتال فيما بينها، فـ«إلى كل المجاهدين على أرض الشام على اختلاف فصائلهم وتكتلاتهم، ندعوهم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في الدماء، وألا يشهروا السلاح في وجوه إخوانهم». وختم البيان قائلا «ندعو إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يستمروا في دعم إخوانهم المجاهدين في الشام عامة، والجبهة الإسلامية خاصة، فالجهاد بحاجة لكل دعم ممكن لا سيما بالمال».