أحيت مدينة غرناطة التراث النفيس وروعة الفن الأندلسي بإقامة معرض يستمر حتى نهاية الشهر الجاري، ضمن أنشطة الاحتفال بالألفية الأولى لتأسيس مملكة غرناطة. ويسعى هذا المعرض للتعريف بالإنجازات الإسلامية، التي تحققت في الأندلس في الفترة بين القرنين الـ11 والـ15 وبنفائس التراث وروعة الفن الأندلسي. وتبرز مقتنيات المعرض التطور الذي شهدته تلك الفترة في مجالات الفنون والعلوم والثقافة، التي كانت فيها مدينة غرناطة بمثابة "آخر معاقل الغرب الإسلامي" بأراضي شبه الجزيرة الأيبيرية. أقراط من الذهب عليها البسملة وتعود لجهاز عروس من أوائل القرن 13. وأقيم المعرض في قصر الإمبراطور "كارلوس الخامس" المندرج في إطار المجمع الأثري لقصر الحمراء وحدائق جنة العريف، وقد اختير قصر الحمراء الأثري لاستضافة هذا الحدث ليتحول المجمع بأكمله إلى الحاضنة والقطعة النفيسة في الوقت نفسه في المعرض. فهو نقطة البداية في الزيارة و"القاعة السابعة والأخيرة من المعرض" للراغبين في إجراء جولة واسعة للتعرف على جماليات فن وتاريخ وثقافة الأندلس وغرناطة، وفقا لمنظمي المعرض. أما قاعات المعرض الست الأولى فقد خصصت كل منها لشرح موضوع محدد تؤكده كبرهان ناصع القطع المعروضة في كل منها، فالقاعة الأولى تقدم نظرة للمستوى الفني العالي الذي بلغه الأندلسيون في صناعاتهم الحرفية، والثانية عن المجتمعات والثقافات التي عاشت على الأراضي الأندلسية من خلال قطع استعملتها تلك المجتمعات في حياتها اليومية، والثالثة خُصصت لمدينة غرناطة الأندلسية وتطورها عبر العصور. أما القاعة الرابعة المسماة "ديوان الفنون" فتوضح تطور الفن الأندلسي على مختلف المواد، مثل النسيج والخزف والمعادن وغيرها، وتمازج الفنون في الأندلس نتيجة لتمازج المجتمعات وتعايش الأديان فيها والأثر الكبير للفن الإسلامي. وتضم القاعة الخامسة وثائق عربية غرناطية تاريخية لا تقدر بثمن، وتقدم القاعة السادسة المسماة "سُلطة الحمراء" شرحا لأثر هذا القصر الغرناطي البديع على فنون وثقافة الغرب منذ استيلاء الملوك على المدينة عام 1492 وحتى يومنا هذا. وقال خوسيه ميغيل بويرتا المستعرب وأستاذ تاريخ الفن في جامعة غرناطة- وهو أحد منظمي المعرض الثلاثة- إن الهدف من تنظيمه هو إحياء الذكرى الألفية الأولى لتأسيس مملكة غرناطة من خلال تقديم أعمال ووثائق ذات أهمية تاريخية وفنية فائقة. وأوضح أن الفترة التي استغرقتها الدراسة التي سبقت إقامة المعرض وعملية اختيار القطع امتدت ثلاث سنوات، وكانت هناك بضعة أشهر كاد فيها المشروع أن يتوقف، ولكن العمل عاد ليُستأنف بكثافة عام 2013. وكانت أكبر صعوبة واجهت المشروع -كما يقول- هي جلب القطع المعروضة من أكثر من 70 متحفا وأرشيفا تاريخيا ومؤسسة، مشيرا إلى أن تنوع القطع وقيمتها النفيسة وتعدد مصادر قدومها زاد من تعقيد عملية تنظيم المعرض. وبيَن الأستاذ الجامعي أنه على خلاف معارض الفن الأندلسي الأخرى، فقد تقرر بهذه المناسبة أن تكون القطع المعروضة قادمة من أراضي مملكة غرناطة ومن أراضي الأندلس، ولم يأت من الخارج إلا بعض القطع المحفوظة في البرتغال ومجموعة مختارة من قطع العملة الأندلسية التي تضمها مجموعة "تونيغاوا"، مؤكدا أن ثراء القطع الفنية والوثائق الأندلسية الموجودة في إسبانيا واسع وعظيم وغير معروف بالكامل حتى الآن. ويضم المعرض - كما يؤكد بويرتا- قطعا استثنائية على قدر عظيم من الأهمية، مثل قطعة من ملابس أبو عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة، المحفوظة في متحف الجيش في مدينة طليطلة التي تعود للمرة الأولى منذ قرون إلى الحمراء، وكذلك الراية الكبرى لجيش بني مرين بموقعة سالادو (1340) التي تُعرض للمرة الأولى للجمهور والمحفوظة في كاتدرائية طليطلة. وأوضح بويرتا أن أبرز ما يميز هذا المعرض أنه يبيّن تنوع وثراء ودقة وبراعة الفن الأندلسي بين القرنين الـ11 والـ15، سواء في الأنسجة أو المعادن أو الزجاج أو الخزف وغيرها، والمستوى الثقافي الرفيع الذي بلغه الأندلسيون، فالمعرض يضم مخطوطات لابن رشد وابن عربي وابن خلدون وهم من كبار مفكري العرب، إلى جانب مخطوطات لأطباء وعلماء أندلسيين كبار. وأضاف أن رؤية كل هذه الروائع جنبا إلى جنب يكاد يكون من قبيل المعجزة، إضافة إلى وجودها داخل قصور الحمراء التي فُتحت في هذا المعرض أجنحة منها للجمهور تكون مغلقة في العادة أمام الزائرين. ومن هذه القطع أيضا وثائق أرسلها ملوك كبار من بني نصر، مثل يوسف الأول أو محمد الخامس، إلى ملوك أراغون، وهي وثائق لم تعرض من قبل في غرناطة، إضافة إلى وثيقة التنازلات التي سلّم بموجبها الملك أبو عبد الله الصغير غرناطة للملوك الكاثوليك وسمحوا له فيها بالخروج إلى المنفى.