د.عبد الله السويجي الابتكار مصطلح واسع يطال مفاصل الحياة وتفاصيلها، ولا يقتصر على الإدارة والأداء المهني والوظيفي بل يشمل كافة مفاصل الحياة، ولو عدنا إلى خمسة وأربعين عاماً إلى الوراء، وتأملنا ملياً في القرار الذي اتخذه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، لوجدنا أن فكرة إقامة دولة الإمارات العربية المتحدة ولم شمل إمارات الساحل المتصالح كانت فكرة ابتكارية. وعلى الرغم من شيوع استخدام مصطلح الوحدة والاتحاد إلا أن وسائل تنفيذه وطرق إقامته وبلورته تتطلب عقلية ابتكارية من نوع خاص، ولا سيّما أنه لم يكن هناك كيان اسمه دولة الإمارات العربية المتحدة، وهنا يرتقي ابتكار الفكرة إلى الإبداع، أي الإتيان بشكل جديد من العلاقات بين الكيانات الصغيرة، التي تحوّلت بفضل العقل الابتكاري والفلسفة المتطورة إلى دولة كبيرة وقوية يشار إليها بالبنان وقدوة في الفكر الوحدوي، يتباهى أهلها وقادتها اليوم أمام العالم أجمع، نظراً لما حققته من مستويات عالية من التنمية البشرية والاقتصادية والسياسية والبيئية والتشريعية، وتوظيفها للتقنية والتكنولوجيا في توفير الخدمات وتقديمها بأساليب ذكية تعتمد على تطبيقات بعضها تمت برمجته واستحداثها محلياً. وليس غريباً على دولة تحمل الابتكار في كينونتها ونشأتها أن تواصل عملية التجديد والتطوير في مناحي الحياة جميعها، حتى تبوأت مراتب متقدمة جداً في مؤشرات التنمية العالمية ونال شعبها لقب أسعد شعب. لقد عبّر شعب الإمارات عن حبه والتفافه حول فكرة الاتحاد بطرق ابتكارية أيضاً، عن طريق العمل المهني والبناء المؤسساتي والإبداع بالكلمة واللحن والفنون الجميلة جميعها، حتى وصل صوت الإمارات نقياً راقياً إلى الأمم جميعها، ونالت سمعتها الطيبة بفضل السياسات الابتكارية أيضاً، المحلية والخارجية، وبفضل مشاريعها التنموية الخيرية والاستثمارية التي أطلقتها خارج حدودها، واستفادت منها شعوب كثيرة كانت تفتقر إلى التنمية ورغد العيش، وهنا نالت الإمارات مرتبة متقدمة، بل الأولى في العطاء والمنح الخارجية، ناهيك عن المواقف الوطنية التي أطلقها الشيخ زايد، رحمه الله، في الأزمات التي مرّ بها الوطن العربي، ولا سيّما في الصراع العربي - الإسرائيلي ومقولته الشهيرة النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي، ونفّذ قراره بأسلوب لم تعهده بعد الدول في إدارة الأزمات. لقد أطلق صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدول حفظه الله مبادرته التي قضت أن يكون عام 2015 عاماً للابتكار، فدبّت الحياة في مفاصل الدولة وتحوّل الابتكار إلى ثقافة، ولعلنا نستذكر الفكرة الابتكارية الرائدة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، والرامية إلى تأسيس مكتبة في كل بيت، كما نستعيد المبادرات التي أطلقها المسؤولون في القمة الحكومية الثالثة، وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، والتي شملت ميادين العمل كافة، كما نستذكر المبادرات التي أطلقها سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة، والخاصة بالتعليم. والابتكار عملية متجددة تحتاجها المجتمعات في مسيرة نموها وتربيتها للأجيال الصاعدة، فهناك الابتكار في التربية الأسرية، لجعل العلاقات بين أفراد الأسرة أكثر حميمية وأكثر إنسانية وأخلاقية، ومنها ابتكار الوسائل التي تزيد الشفافية بين الآباء والأبناء، وبناء علاقة عمادها الثقة والتعاون والحوار المبني على المنطق. وهناك الابتكار في العلاقات الزوجية، وأعتقد أن مجتمعاتنا الخليجية والعربية في حاجة ماسة إلى هذا النوع من الابتكار الذي يعيد الانتعاش إلى الحياة الزوجية، فيبعدها عن الروتين والملل والرتابة، ويقرّبها من العلاقة العاطفية الودود التي تنشر المحبة والاحترام والصدق والإخلاص في البيوت، فتكون نموذجاً للبناء والعلاقات الإنسانية، نحن في حاجة إلى الابتكار في المهور عن طريق تخفيفها، والابتكار في الحفلات عن طريق ترشيد الإنفاق عليها وعدم المغالاة في الاحتفالات والمشتريات التي ترهق الشاب وتجعله يدخل حياته الزوجية مثقلاً بأزمات اقتصادية جاهزة، ما تعكّر عليه صفو حياته الزوجية. وهناك الابتكار في السلوك في أماكن العمل ومراكز التسوق والشارع، وفي الأسبوع الماضي احتفلت الدولة باليوم الدولي للتسامح، ونحن في أمسّ الحاجة إلى تعزيز التسامح فيما بيننا ليتفق مع معايير الشعب السعيد المتمدن، ولا سيّما في قيادة السيارة في أوقات الازدحام وتطبيق قواعد المرور، بل إن شبابنا في حاجة إلى تجسيد الابتكار في المحافظة على أرواحهم عن طريق تغيير نمط قيادتهم لسياراتهم، وإحصاءات الوفيات تشير إلى أننا نخسر مئات الشباب والأطفال في كل عام نتيجة حوادث السير. وهناك الابتكار في إدارة الوقت والاستفادة منه، إذ نشاهد شريحة من شبابنا هائمين في مراكز التسوق على غير هدى، أو جالسين في المقاهي لا يفعلون شيئاً سوى النظر في هواتفهم النقالة أو مراقبة الآخرين، وفي الحالتين هناك مضيعة للوقت، وعليهم أن يستجيبوا لقانون القراءة الوطني الذي أصدره صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، والقاضي بأن توفر المقاهي مواد قرائية. ومن أساليب الابتكار في إدارة الوقت التطوع، ومجالاته واسعة جداً، وممارسته تعود على الفرد بالرضا النفسي والإحساس بالسعادة ومعنى الحياة، وتعود على الآخرين المحتاجين والمجتمع بالخير. الابتكار هو أن تتغلب على تشابه الأيام والليالي، هو ألا تقوم بنفس الفعل بالأسلوب نفسه، هو أن تتجدد باستمرار في مكان عملك وبيتك وعلاقاتك مع أفراد أسرتك ومع المجتمع، الابتكار يبعدك عن الاكتئاب والملل والحزن والفراغ، الابتكار هو العمل الحقيقي الذي يشغل العقل، والطريق السريع إلى النجاح. suwaiji@emirates.net.ae