اختصر أحد الأدباء الكبار جوابه عن سؤال: لماذا تقرأ؟، بكلمة واحدة وهي لأستمتع، ورغم بساطة الإجابة ظاهرياً إلا أنها تحمل من العمق والحكمة الشيء الكثير، فلا يحتاج الإنسان المتفذلك أن يحك رأسه ليفكر بجواب يعتقد أنه عميق، مثل التعلم والمعرفة والحكمة... الخ فالمتعة تختصر كل ذلك، فكيف نفسر الشغف الكبير لقارئ «محترف»، عندما يمسك كتاباً ولا يستطيع تركه؟، وأحياناً يفضل أن يكون مع الكتاب على أشياء أخرى لها صلة بالحياة كالغذاء والشراب. كل شيء في حياتنا إذا لم يرتبط بالمتعة فليس له قيمة، بل قد يصبح مرهقاً لحواسنا وأجسادنا، مثل الرياضة التي يلعبها شخص مكره عليها، أو لهدف التخلص من السمنة فقط أو العمل أو الكتابة، ما دامت غير مرتبطة بالمتعة. والقراءة التي أقصد ليست مقصورة على قراءة الروايات أو القصص، فالبعض يقضي أوقاتاً طويلة في قراءة الفلسفة أو التاريخ أو الدراسات النقدية أو العلوم الأخرى، ويشعر بمتعة ذهنية لا تضاهى، لدرجة تثير استغراب الآخرين. وحب القراءة هي عادة يكتسبها الفرد منذ الصغر أو حتى في الكبر، فلا وقت محدد للاكتشاف، الذي قد يكون في الكبر، والمتعة هي عكس الإرغام أو الواجب الثقيل، وكل شيء قد يصبح أشبه بالإرغام أو الواجب الثقيل إذا لم يرتبط بالمتعة. ولكن لماذا يستمتع الإنسان بفعل الأشياء؟، لأنها ترتبط بإمكانياته الثلاث الذكاء والتركيز والخيال، وتلك الأمور مرتبطة ببعضها ويمكن تنميتها، بعلاقة جدلية مع الأشياء التي نفعلها، فالخيال الذي يعتبر من الإمكانيات الهائلة لدى الإنسان، يمكن أن يتعس الشخص ويمكن أن يسعده للغاية، فيعتمد الأمر على كيفية توجيه هذا الخيال. فمن بدون الخيال والمتعة، لا يمكن التعلم أو اكتساب المعارف أو التخصص، فكلها تأتي مصاحبة للمتعة، حتى لو لم يدرك الإنسان ذلك، فعندما يكون الطفل شغوفاً بالقراءة، هو لا يعلم لم يستمتع بها وتشبعه، ولكنه لا ينفك يبحث عن شيء ليقرأه، وقد يكون هذا الشيء قصاصة ورق وجدها على الطريق. إذاً لا نشغل بالنا ونرهق عقولنا، أو نتفذلك بأسباب حبنا للقراءة، وأيضاً لا يجب أن ندعي حب القراءة إن لم نكن نستمتع بها، ولهذا يجب أن تتضافر جميع الجهود، في الأسرة والمجتمع والمدرسة، على تعويد الطفل القراءة دون إرغام وبطرق محببة، حتى تصبح عادة اجتماعية راسخة. osbohatw@gmail.com