قبل 81 عاماً، استشهد شيخ القساميين عزالدين القسام. وعلى الرغم من أن النتائج المباشرة للجهاد المسلح الذي قاده الشيخ غير كبيرة، لكنه استطاع بقدراته على التعبئة والتوعية والتجنيد والتنظيم ثم باستشهاده أن يشعل الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 وبقي رمزاً للمقاومة حتى اليوم. التقت في القسام مجموعة من المؤثرات كونت شخصيته المتميزة، وجعلته صاحب مدرسة في النضال تركت أثرها في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية أثناء إقامته في حيفا التي دامت قرابة 15 سنة، وبعد استشهاده سنة 1935. ولد الشيخ عزّ الدين عبد القادر مصطفى يوسف محمد القسام، في بلدة جبلة السورية جنوبي اللاذقية عام 1882 في أسرة متدينة حيث كان أبوه صاحب كتّاب يعلم فيه الأطفال أصول القراءة وحفظ القرآن، سافر في سن الـ14 مع أخيه لدراسة العلوم الشرعية بالأزهر الشريف فتأثر بفكر الشيخ محمد عبده وبالحركة الوطنية النشطة في مصر ضد المحتل البريطاني بعد فشل الثورة العرابية. كان القسام يعتبر الاحتلال البريطاني العدو الأول لفلسطين، ودعا في الوقت نفسه إلى محاربة النفوذ الصهيوني الذي كان يتزايد بصورة كبيرة، وظل يدعو الأهالي إلى الاتحاد ونبذ الفرقة والشقاق حتى تقوى شوكتهم. وكان القسام يردد دائماً أن الثورة المسلحة هي الوسيلة الوحيدة لإنهاء الانتداب البريطاني والحيلولة دون قيام دولة صهيونية في فلسطين، وكان أسلوب الثورة المسلحة أمراً غير مألوف آنذاك للحركة الوطنية الفلسطينية. عاد الشيخ القسام إلى جبلة عام 1903، واشتغل بتحفيظ القرآن الكريم في كتَّاب والده، وأصبح بعد ذلك إماماً لمسجد المنصوري في جبلة، وهناك ذاع صيته بخطبه المؤثرة وسمعته الحسنة. قاد أول مظاهرة تأييداً لليبيين في مقاومتهم للاحتلال الإيطالي، وكون سرية من 250 متطوعاً، وقام بحملة لجمع التبرعات، ولكن السلطات العثمانية لم تسمح له ولرفاقه بالسفر لنقل التبرعات. انتقل القسام إلى قرية الحفة الجبلية ذات الموقع الحصين ليساعد عمر البيطار في ثورة جبل صهيون (1919 - 1920)، وبعد إخفاق الثورة حكم عليه الاحتلال الفرنسي بالإعدام غيابياً، فعاد سراً عام 1921 إلى فلسطين مع بعض رفاقه. ضريح القسام في حيفا بدأت حياة القسام النضالية منذ 1922 فعمل مدرساً في المدرسة الإسلامية في حيفا، وكان خطيباً وإماماً لجامع الاستقلال فيها، وانتسب إلى جمعية الشبان المسلمين في حيفا سنة 1926، ثم أصبح رئيساً لها، وعين منذ سنة 1929 مأذوناً شرعياً من قبل المحكمة الشرعية، فصار يخرج إلى القرى، وعرفه الناس وعرفهم، وازدادت شعبيته وذاعت شهرته. نشط الشيخ بين فقراء الفلاحين النازحين في حيفا يحاول تعليمهم ويحارب الأمية المنتشرة بينهم، حتى حظي بتأييد الناس وتقديرهم، ونشط في الدعوة العامة وسط جموع الفلاحين في المساجد الواقعة شمالي فلسطين، داعياً للتحضير والاستعداد للقيام بالجهاد ضد الاستعمار البريطاني. استطاع القسام تكوين خلايا سرية من مجموعات صغيرة لا تتعدى الواحدة منها 5 أفراد، وانضم في عام 1932 إلى فرع حزب الاستقلال في حيفا، وأخذ يجمع التبرعات من الأهالي لشراء الأسلحة، وتميزت مجموعات القسام بالتنظيم الدقيق والتخصص. ولم يكن القسام في عجلة من أمر إعلان الثورة، فقد كان مؤمناً بضرورة استكمال الإعداد والتهيئة، لذا فإنه رفض أن يبدأ تنظيمه في الثورة العلنية بعد حادثة البراق عام 1929 لاقتناعه بأن الوقت لم يحن بعد. تسارعت وتيرة الأحداث في فلسطين في عام 1935، وشددت السلطات البريطانية الرقابة على تحركات الشيخ القسام في حيفا، فقرر الانتقال إلى الريف حيث يعرفه أهله منذ أن كان مأذوناً شرعياً وخطيباً، فأقام في منطقة جنين ليبدأ عملياته المسلحة من هناك، وأرسل الدعاة إلى القرى المجاورة ليشرحوا للأهالي أهداف الثورة، ويطلبوا منهم التطوع فيها، فاستجابت أعداد كبيرة منهم. اكتشفت القوات البريطانية مكان اختبائه في قرية البارد في 15 نوفمبر 1935، لكن الشيخ عز الدين استطاع الهرب هو و15 فرداً من أتباعه إلى قرية الشيخ زايد، ولحقت به القوات البريطانية مساء 19 نوفمبر 1935 فطوقتهم وقطعت الاتصال بينه وبين القرى المجاورة، وطالبته بالاستسلام. لكن الشيخ رفض واشتبك مع تلك القوات، وأوقع فيها أكثر من 15 قتيلاً، ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفين لمدة 6 ساعات، سقط الشيخ القسام وبعض رفاقه شهداء في نهايتها، وجرح وأسر الباقون. وكان لمقتل الشيخ القسام "السوري الذي عشق فلسطين" الأثر الأكبر في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936, وكانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية بعد ذلك. وفي عام 1987 كان مولد كتائب عزالدين القسام التي اتخذت من اسم الشيخ طريقاً مكملاً للجهاد المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي حتى اليوم.