الخرطوم: أحمد يونس تظاهر العشرات من الإسلاميين السودانيين في العاصمة الخرطوم احتجاجا على الدور الفرنسي ضد المسلمين في دولة أفريقيا الوسطى، ووصفوا الرئيس الفرنسي بـ«مجرم الحرب»، في حين وصل الرئيس التشادي مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، في زيارة ليومين يتفقد خلالها منشآت وموانئ سودانية في شرق البلاد. ومنعت سلطات الأمن السودانية إسلاميين سودانيين من التظاهر أمام السفارة الفرنسية في الخرطوم، وتسليم مذكرة احتجاج، على ما سموه الدور الفرنسي ضد المسلمين في أفريقيا الوسطى. وتجمع العشرات من أنصار الجماعات الإسلامية السودانية عقب صلاة الجمعة في أكبر مساجد الخرطوم، ونظموا مظاهرة احتجاجية ضد ما سموه التدخل الفرنسي، وتضامنا مع مسلمي أفريقيا الوسطى. ودعت للمظاهرة مجموعة تطلق على نفسها «الهيئة الشعبية لمناصرة مسلمي أفريقيا»، وشارك فيها الإخوان المسلمون، وجبهة الدستور الإسلامي، والرابطة الشرعية للعلماء والدعاة، ومنتدى شباب أفريقيا الوسطى المقيمين في السودان، وهيئة علماء المسلمين. ولم تسمح السلطات الأمنية للمتظاهرين بالتوجه للسفارة الفرنسية في الخرطوم، واكتفت بالسماح لهم بتنظيم وقفتهم الاحتجاجية قرب المسجد الكبير، وسط الخرطوم، وأحاطتهم بقوة أمنية كبيرة. ورفع المحتجون لافتات أدانوا فيها التدخل الفرنسي، ودعوا لمقاطعة فرنسا اقتصاديا وسياسيا. ودعا الأمين العام للهيئة الشعبية لمناصرة مسلمي أفريقيا محمد عبد الكريم أثناء مخاطبته للمحتجين، وخلفه لافتة تصف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بـ«مجرم الحرب»، حكومات البلدان الإسلامية لقطع علاقاتها مع فرنسا، واتهمها بـ«الاعتداء على حرمات المسلمين في عدد من البلدان الأفريقية»، بينما طالب الأمين العام لهيئة علماء السودان المدعومة من الحكومة إبراهيم آدم، بتشكيل قوة عسكرية قوامها 120 ألف جندي بواقع ألفين من كل بلد، للتدخل في أفريقيا الوسطى، ولوقف ما سماه «المذابح ضد المسلمين». وقالت الهيئة إنها ستنظم مظاهرة مماثلة الجمعة المقبل، ودعت الرئيس عمر البشير لمخاطبتها، وأعلنت عن فتح باب التبرعات لدعم مسلمي أفريقيا الوسطى. وتواجه التجمعات الإسلامية المماثلة في السودان، انتقادات عنيفة من ناشطين ودارفوريين، ويعتبرونها أداة سلطوية، ويستندون في ذلك إلى موقفها من الحرب في دارفور، التي راح ضحيتها آلاف المسلمين، وأنها لم ترفع لافتة واحدة تدين فيها تلك العمليات التي تعد «جرائم حرب دولية»، بل ويقولون إن هيئة علماء المسلمين والتنظيمات المماثلة تنشط في الدفاع عن المسلمين في مناطق أخرى من العالم، ولا تدير بالا لمسلمي السودان. وفي الأثناء، وصل الرئيس التشادي إدريس ديبي إلى مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، في زيارة للسودان تستغرق يومين، وبرفقته وفد رفيع من المسؤولين التشاديين. واستقبل ديبي رصيفه عمر البشير، الموجود في بورتسودان للمشاركة في ختام مناسبة سياحية (مهرجان السياحة والتسوق)، ويتوقع حسبما أوردت وكالة الأنباء الرسمية (سونا) أن يقوم الرئيس التشادي بجولة واسعة في الموانئ السودانية، لا سيما الميناء الجنوبي وميناء بشائر لتصدير البترول، وميناء الأمير عثمان دقنة بسواكن، والمنطقة الحرة وميناء سلوم الجاف. وفضلا عن العلاقات التي تربط بين السودان وتشاد؛ فمن الراجح أن للزيارة ومن خلال البرنامج المعلن، علاقة بنقل التجارة الخارجية لتشاد، الدولة المغلقة التي لا تملك حدودا بحرية، «صادرات وواردات»، عبر الموانئ السودانية. واتفق الرئيسان البشير وديبي خلال زيارة الأخير للبلاد، فبراير (شباط) العام الماضي على تصدير نفط شمال تشاد الذي تنوي إنتاجه عبر ميناء بورتسودان، وعلى إنشاء طريق بري قاري بتمويل قطري، إلى جانب مد خط السكة الحديد ليصل إلى دولة تشاد، وتعمل شركات صينية على ربط خطوط السكة حديد بين البلدين، إلا أن هذه الأعمال تصطدم بالتوتر والنزاع اللذين يشهدهما إقليم دارفور. ومنحت الخرطوم في وقت سابق مساحة على ساحل البحر لتستخدمها في استيراد وتصدير بضائعها، وحق استخدام خط أنابيب النفط والمنشآت النفطية السودانية. وينشط الرئيس التشادي ديبي في ملف إقليم دارفور المتاخم لبلاده، الذي يشهد نزاعا مسلحا بين الجيش الحكومي والحركات المتمردة منذ عام 2003، وهو نزاع خلّف أكثر من 300 ألف قتيل، وأدى لتشريد نحو 2.5 مليون شخص، بحسب إحصائيات أممية. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رعى الرئيس ديبي مؤتمرا في منطقة «أم جرس» التشادية، قرب الحدود بين الدولتين، ضم زعماء إثنية «الزغاوة»، وهي قبيلة مشتركة بين البلدين، وتعد من أكبر القبائل في دارفور وتشاد، بل وينحدر منها الرئيس دبي شخصيا. ويهدف مؤتمر «أم جرس» لإعطاء قبيلة الزغاوة دورا في تعزيز الأمن في الإقليم، استنادا على أن أبناءها يهيمنون على أكبر حركتين متمردتين في الإقليم، وهما حركتا العدل والمساواة، بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي. في حين ينتمي قادة الحركة الثالثة «تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور»، إلى قبيلة الفور، وهي أكبر القبائل في الإقليم. ونفى ديبي في وقت سابق أن يكون مؤتمر أم جرس مخصصا لقبيلة الزغاوة، ويتردد أنه ينوي عقد مؤتمر مماثل تشارك فيه جميع قبائل دارفور، بمن فيهم قبيلة الفور. وفي زيارته الأخيرة للخرطوم، ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال ديبي إن الرئيس البشير فوضه «للاتصال بالحركات المسلحة في دارفور لاستئناف المفاوضات»، بيد أنه لم يكشف عن أي اتصالات جرت مع الحركات المتمردة منذ ذلك الوقت. كما بحث الرئيسان في تلك الزيارة الأوضاع في أفريقيا الوسطى، التي تشهد اضطرابات طائفية منذ مارس (آذار) في العام الماضي، وتجاور حدود السودان الغربية، وتجاور تشاد من حدودها الجنوبية، لم يكشف النقاب عنها. وكان البلدان قد وقعا 2009 اتفاقية أمنية بعد توتر طويل بينهما، أقرت نشر قوة مشتركة لتأمين الحدود، وتوقف كلا الطرفين عن دعم المتمردين ضد الآخر. وكانت الخرطوم تتهم أنجمينا بدعم الحركات المتمردة عليها في إقليم دارفور، وترد أنجمينا بأن الخرطوم هي الأخرى تدعم المتمردين ضدها. وجرى توقيع الاتفاق الأمني بين البلدين بعد مرور عام من دخول حركة العدل والمساواة للعاصمة الخرطوم في مايو (أيار) 2008، فيما عرف بـ«عملية الذراع الطويلة»، وزعمت تقارير حكومية أنها نُفذت بدعم تشادي. وقبل أشهر من عملية أم درمان، أوشك متمردون تشاديون على إسقاط حكم الرئيس إدريس ديبي، بل وحاصروا القصر الرئاسي في العاصمة أنجمينا في فبراير (شباط) 2008، وزعمت أنجمينا وقتها أن الخرطوم دعمت تلك العملية. وبعيد توقيع الاتفاقية الأمنية، أبعدت تشاد قادة الحركات المتمردة من أراضيها، بما فيهم زعيم حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم الذي اغتيل بقصف جوي، ما زالت تفاصيله غير معروفة، على الرغم من انتمائه لقبيلة الزغاوة التي ينتمي إليها الرئيس ديبي.