×
محافظة المنطقة الشرقية

سفراء أمريكا اللاتينية والكاريبي يؤكدون أهمية مبادرة مركز الملك عبدالله للحوار

صورة الخبر

نجاة الفارس يعد محمود سامي البارودي ( 1838 - 1904 ) رائداً من رواد الشعر الإحيائي في حركة الشعر العربي الحديث، وإن استيعاب دلالة شعر الإحياء تتطلب التعرف إلى طبيعة الشعر الذي كان سائداً قبلها، فقد تميز الشعر قبل البارودي بالجمود فسيطرت عليه المحسنات البديعية، التي جعلت من هذا الشعر رموزاً وعمليات حسابية، يحتاج استيعابها إلى كد ذهن، وتفكير. ومن يقرأ بعض أشعار تلك الحقبة، ومن أهم شعرائها: علي أبو النصر، وعلي الليثي، وصفوت الساعاتي، وعبدالله فكري وحسين بيهم، يلاحظ هذه السمات، مثلما يلاحظ قدرة هؤلاء الشعراء على النظم، الذي يخلو في كثير من الأحيان من روح الشعر، وقد وصف عمر الدسوقي شعر علي أبو النصر، وصفاً يكاد يسري على شعر تلك الحقبة فقال: شعر أبي النصر يمثل كذلك هذه المدرسة، فهو مولع بالمحسنات البديعية، وبالتاريخ الشعري، وبالألغاز، وبالتشطير والتلاعب بالألفاظ، وبذلك يكون خير مثال للناظمين أو العروضيين ونلاحظ أن الدسوقي ذكر مصطلح الشعراء العروضيين، ولعله استعار هذا المصطلح من عباس العقاد، وهو يصف شعراء هذه المرحلة ويسميهم العروضيين، ويسمى شعراء المرحلة التالية وعلى رأسها البارودي بالمطبوعين. وإن من ينظر في ديوان البارودي يعرف مدلول هذا المصطلح ويدرك طبيعة التحول الذي طرأ على الشعر العربي، وهو تحول نوعي، في بناء القصيدة وفي مضمونها، فلم يعد الشعر وزناً وقافية فحسب، بل صار فناً يصدر عن موهبة، ثم صارت أدوات الشعر الأخرى تابعة لهذه الموهبة، أو صادرة عنها. لقد عاش البارودي حياة عسكرية فالتحق بالمدرسة الحربية، وترقى في سلك الجندية حتى وصل إلى مرتبة عالية، وفي هذه الأثناء كانت قراءاته في الشعر العربي الكلاسيكي تزداد، وكان شعر الحماسة أكثر ما يستهويه، ويبدو أن الثورة العرابية قد شكلت منعطفاً حاسماً في حياته، فقد صار وزير الحربية وبعد فشل هذه الثورة، نفي هو ورفاقه إلى جزيرة سرنديب عام 1882 وبقي فيها حتى عام 1904. وقد عمقت فترة المنفى من حنينه إلى الوطن، ووسعت من قراءاته في الشعر العربي، ولعل مختارات البارودي الشعرية توضح مقدار سعة اطلاعه على هذا الشعر، وقد حدد العقاد أهمية محمود سامي البارودي في تطور الشعر العربي الحديث فرأى أن البارودي هو صاحب الفضل الأول في تجديد أسلوب الشعر، وإنقاذه من الصناعة، والتكلف العقيم، إلى صدق الفطرة وسلامة التعبير. رفض البارودي أن يكون الشعر مجموعة من التوريات والتشطيرات، مثلما رفض أن يكون وسيلة للتأريخ الشعري كما في حساب الجمل فعاد بالشعر الإحيائي الذي بدأه إلى الشعر العربي القديم، وتمثل روحه القوية المعافاة، وقد وصف إحدى قصائده بقوله: حضرية الأنساب إلا أنها / بدوية في الطبع والتركيب. وقد وصف النقاد البارودي بأنه استقل بقراءة دواوين مشاهير الشعراء من العرب وغيرهم حتى حفظ الكثير منها دون كلفة، واستثبت معانيها، ناقداً جيدها من رديئها واقفاً على صوابها وخطئها، ومن يقرأ ديوان البارودي سيلاحظ صدق ذلك، ففي الديوان تبرز روح الكثير من القصائد العربية المرموقة في العصر الجاهلي، وصدر الإسلام، والعصر الأموي، والعصر العباسي، ولنتأمل هذه الأبيات التي توحي للقارئ بأنها من الشعر الجاهلي: ألا حي من أسماء رسم المنازل وإن هي لم ترجع بياناً لسائل خلاء تعفتها الرواسم والتقت عليها أهاضيب الغيوم الحوافل فلأيا عرفت الدار بعد ترسم أراني بها ما كان بالأمس شاغلي. تكشف هذه الأبيات عن تمثل عميق لروح الطللية في الشعر الجاهلي وتبين قدرة الشاعر على تقليد تلك الأجواء، بما تنطوي عليه من أبعاد حضارية اندثرت تماماً، غير أن هذه المحاكاة كما يقول العقاد، ردت للشعراء المعاصرين القدرة على مجاراة الشعراء الأقدمين في ميدان اللغة والتركيب الشعري، والصورة الشعرية، وأسهمت هذه الثقة في الابتكار والاستقلال. najatfares2@gmail.com