غالبية البرامج التلفزيونية التي تصدت لقضايا الإعلام في العالم العربي لم يكتب لها الاستمرار، إما أنها توقفت وإما أوقفت، والأسباب كثيرة وتستحق الدرس لكن النتيجة القاسية أنها برامج لم تصمد أمام اشتداد الحاجة إليها. هنا ننظر إليها على أنها محاولة من الشاشة أن تصحح نفسها وتقدم نقداً مطلوباً لنفسها ولغيرها من الشاشات المتضخمة ولحال الإعلام بتفريعاته المختلفة في ظل تغلغله في كل مناحي حياتنا. ويبدو أن التجارب المتعثرة هذه لم تكن ترتبط ببرامج التلفزيون فقط، ففي فلسطين، مثلاً، لم يكتب لمجلة «مدى الإعلام»، المختصّة بالحديث عن قضايا الإعلام الفلسطيني والعربي عموماً، الاستمرار بعد عددها السابع عام 2012، رغم الاحتفاء بالتجربة وأعداد المجلة. اليوم يظهر إلى النور برنامج «الإعلام... الطريق إلى الأمام» الذي يبث على فضائية «معاً» الفلسطينية مساء كل أربعاء، وهو من إنتاج مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت الذي يعد أبرز مكان تدريبي لكل حقول العمل الإعلامي في الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطين 1948. الاحتفاء بهذا البرنامج مستحق من ناحية كونه مختصّاً بالتعاطي مع القضايا الإعلامية الأكثر أهمية على ساحة الإعلام في فلسطين، ولكون من يقف على إنتاجه المركز التدريبي الذي يمتلك خبرة 20 عاماً من الانخراط في قضايا الإعلام الفلسطيني، ولطبيعة الموضوعات التي يتطرق لها لكونها تحدد مستقبل الإعلام في فلسطين. حتى اللحظة، بُثت من البرنامج الذي تقدمه مديرة المركز الإعلامية نبال ثوابتة حلقتان هما «المركز والهامش في الإعلام» و«الإعلام الثقافي»، وعلى الطريق مجموعة من الموضوعات المركزية بالنسبة إلى العمل الصحافي مثل: قوانين الإعلام والحريات الصحافية، وإعلام الطفل وتعليم الإعلام في الجامعات الفلسطينية... إلخ. البرنامج في تناوله القضايا العريضة التي يضعها في صلب اهتماماته لا يغالي في أهدافه، بل «نريد أن نكون أفضل قليلاً في تحقيق رؤية الإعلام المهني كرقيب وكسلطة رابعة تعمل مع بقية السلطات». بعض المهتمين سيطرحون أسئلة مثل: ما الذي يدفع مركزاً مختصاً بتطوير الإعلام في فلسطين لأن يقدم برنامجاً مختصّاً بالإعلام الفلسطيني قضاياه، شؤونه وشجونه؟ وهو سؤال مستحق بالضرورة، لكننا لن نتطوع عن المركز بالرد فهو يمتلك الرؤية التي يعمل عليها، لكننا ننظر إلى فعل كهذا بالإشادة حين نرى أنه تصرف مطلوب في ظل الوعي بأهمية التلفزيون كوسيلة إعلامية جماهيرية، ومن ثم الوعي بأهمية جعل قضايا الإعلام التي تهتم بها غالباً فئة محددة على طاولة كل مشاهد فلسطيني متوقع، وفي ذلك خير كثير، أي نقل نقاشات النخبة الإعلامية وجعلها على أوسع شريحة جماهيرية، فهي تؤثر فيهم بالضرورة. ملفات البرنامج كثيرة، ومع ذلك حلقاته لن تتجاوز الـ12، وهذا أمر مرتبط بالتمويل، لكن الأهم أن يقنع هذا البرنامج جهات كثيرة بضرورة العمل للاستمرار فيه، حتى لا يناله ما أصاب مثيلاته.