×
محافظة المنطقة الشرقية

ترامب سيدفع 25 مليون دولار لاسقاط دعوى الاحتيال المرفوعة ضد جامعته

صورة الخبر

قسنطينة مدينة الأدباء المنتحرين ذات الوجه الشاحب يمكن للرواية أكثر من أي جنس أدبي آخر الغوص في التاريخ بطرق فنية مختلفة، كما يمكنها أن تعري الماضي والحاضر ناقلة ضوءها السردي بين الضفتين متحوّلة إلى أكثر الجسور متانة وسلاسة يمكن للقارئ عبورها. العرب التقت الكاتب الجزائري بومدين بلكبير في حديث حول عمله الروائي الكاشف للجزائر بين ماضيها وحاضرها. العربسعيد خطيبي [نُشرفي2016/11/18، العدد: 10459، ص(15)] لا يتوجب على الروائي أن يبرر خياراته بعد عدد من الإصدارات الأكاديمية من الأبحاث والدراسات، منها “الربيع العربي المؤجل” (الذي مُنع في الجزائر)، أصدر الكاتب الجزائري بومدين بلكبير مجموعة قصصية “النصّ الأخير قبل الصّمت” عن دار فضاءات 2015، ثم عاد، الشهر الماضي، بباكورته الروائية: “خرافة الرجل القوي” وهي رواية تتشابك ثيماتها مع الرّاهن، وتدور وقائعها بين بلجيكا وفرنسا والجزائر، تُقارب موضوعات الهجرة والتّطرف الإسلامي، وتمزّقات التّاريخ، وتحاول الإجابة على بعض الأسئلة المعلّقة، عن مصائر أولئك الشّباب الذين يختفون في البحر، في طريق بحثهم عن جنّة شمال البحر الأبيض المتوسط. فلاش باك تعتمد رواية “خرافة الرّجل القوي”، الصادرة بالاشتراك بين منشورات ضفاف والاختلاف 2016، في نصفها الأوّل، على تقنية الفلاش باك، ثم تتحوّل إلى سرد خطّي. وعن ذلك يقول بومدين بلكبير معلقا “هناك أحداث بعيدة جدا من النّاحية الزمنية ولكنها تؤثّر فينا كبشر، بل قد تتحكّم في سلوكياتنا وتوجّه علاقاتنا مع الآخرين، وهو أمر طبيعي جدا. الأمر ذاته ينطبق على بطل الرواية جواد زهري، فما حدث لعائلة والده إبان الفترة الاستعمارية شكل الجانب المهم من حياته النفسية، وكان له الأثر الأكبر في بناء شخصيته وتوجهاتها الرئيسية، لذلك كان جواد زهري، خصوصا في الثلث الأول من الرواية، يسترجع ذلك الماضي المؤلم بكل وقائعه كما رواها له والده عبدالمجيد، حيث تم الاعتداء الجنسي على جدّته تركية بن قانة وما تبعه من تواتر الأحداث المأساوية، في حالة من الانقطاع الزّمني عن زمن سرد الرواية، وهو ما يجعل من اختيار تقنية الفلاش باك مبررا ولديه مسوغاته الفنية، كما أن تطوّر الأحداث وتواترها من خلال تنقل بطل الرواية بين أربعة فضاءات (شارلوروا البلجيكية، باريس، قسنطينة وعنابة) في خطّ سير متتابع خطيا، هما الأمر الذي جعل الأحداث والوقائع تنساق نحو هذا المسار السردي”. واجب المثقف طرح الأسئلة، لا الرضوخ للسطحية والنمطية، التي تساهم في استلاب الوعي واغتيال العقل وانتشار ثقافة القطيع ويتابع بلكبير “أما بخصوص تعريفي للكتابة الروائية، فأعتقد أن لكل روائي مشروعه الخاصّ الذي لا يلزمه أي إطار قبلي، وللمبدع كامل الحرية في اختيار تقنية أو ابتكار تقنية، ولا أدعي هنا الابتكار، ولو أعاد الكاتب صياغة روايته بطريقة أخرى لتغيّر معناها أو لتحوّلت إلى شيء فاقد لأي قيمة. وقد حاولت في ما سبق الإجابة عن الأسئلة المرتبطة ببعض خياراتي التقنية على الرغم من اعتقادي بأنه لا يتوجب على الروائي أن يبرّر خياراته التقنية، لأن هناك أمورا غير قابلة للشّرح والتّفسير، فعندما يصبح النص بين يدي القارئ لا سلطة لصاحبه على آراء القراء أو تأويلاتهم المتعددة”. وتقارب الرّواية بعض الموضوعات المسكوت عنها في ثورة التّحرير الجزائرية. ونسأل ضيفنا هنا إن كان يعتقد أن الجزائر لم تكتب تاريخها الحقيقي؟ ليجيبنا بأن أسوأ ما يصيب الأمم هو طمس الحقائق وتزييف الوقائع، وأن أكبر مآسينا التي نعيشها اليوم تعزى إلى بقاء مشكلات الماضي معلّقة، بعيدا عن المصارحة والمكاشفة. وكذلك بسبب إضفاء طابع القداسة على تاريخ الثورة الجزائرية، كما يقول، حيث لا أحد بإمكانه أن ينكر كفاح وبطولات الشّهداء والمجاهدين الصّادقين، لكن في الوقت ذاته هناك بعض الأخطاء المنعزلة والتي ارتكبها أشخاص بعينهم، لا يمكن طمسها أو إخفاؤها تحت أي مبرر. ومن لا يتمكن من إدراك حيثيات الماضي ومختلف متغيّراته من المستحيل عليه أن يفهم مشاكل الحاضر، فما بالك أن يستطيع التّحكم فيها ومعالجتها، فكلّ ذلك يمر عبر بوابة التاريخ. الكثير من الشعوب المتحضرة اليوم استفادت من أخطائها من خلال قيامها بوضع تجارب ماضيها في ميزان النّقد الصّارم. ويضيف الكاتب “ظل الحديث عن تاريخ الثورة من وجهة نظر أخرى مختلفة عن الرؤية الرسمية التي تروّجها أجهزة ومؤسسات النظام من الأمور المحظورة وغير المرغوب فيها (المسكوت عنها). لذا فواجب المثقف طرح الأسئلة، لا الرضوخ للسّطحية والنمطية اللتين تساهمان في استلاب الوعي واغتيال العقل، ومن ثم انتشار ثقافة القطيع في المجتمع. بعد مسيرة تجاوزت نصف قرن. ومنذ الاستقلال مازال النص التاريخي يُساير ويمالق وهو غارق في ثنائية التّقديس أو التّخوين، ولم ننتج بعد نصا موضوعيا متعددا ومتنوعا، بعيدا عن التّغني بالشّعارات والانطباعات الغارقة في الذاتية التي تغذيها الأنانيات الضيّقة والجهوية المقيتة والتحالفات الآنية. فالرواية بشخصياتها وأحداثها على الرغم من أنها متخيلة بشكل صرف، إلا أنها غير منقطعة عن الواقع”. المسكوت عنه في ثورة التّحرير الجزائرية المنتحرون والمدينة نجد في رواية بومدين بلكبير أن الجزائر لا تزال بلدا مقسما بين أكثر من هوية، مثيرا قضية الاستقلال الفكري، حيث تشتغل الرواية في جانب منها، كما يرى مؤلفها، على موضوع الهوية والإثنيات، ويتمظهر ذلك في الزواج بين العرب والأمازيغ/القبائل، حيث لازالت الهوية على هذا الأساس في الجزائر محلّ إشكال وتنازع بين هوّيات متنوعة، على الرغم من التّقدم والوعي الكبير في ذهنيات النّاس في هذا الشّأن. كما يظهر في الرواية التعدّد اللغوي في انتشار الفرنسية جنبا إلى جنب مع العربية من خلال الحديث أو الصّحف، بحكم أن الجزائر تتربع على مناخ متنوع وتمتلك ثقافات متعددة، كما يقول بلكبير، حيث يلفت إلى أن المستعمر الفرنسي حاول اللعب على تلك الاختلافات من خلال إذكاء نار النّعرات القبلية واللهجات. أما بخصوص الاستعمال الواسع للغة الفرنسية في الجزائر، على الرغم من انحسارها عالميا، فيشدد الكاتب على أنه لا ينبغي أن تُحوّل اللغة إلى أداة صراع، فمن حقّ أي مثقّف الإدلاء برأيه في القضايا التي تهمّ الشّأن العام (كلغة التدريس في المدارس)، لكن ليس شرطا أن تكون كلّ الرؤى والتصوّرات متطابقة، كما أنه ليس من الجيد أن يتحوّل الاختلاف إلى عداوة. ويقول بلكبير “الجزائر بلد يمجد فيه الأموات، وتداس فيه كرامة الأحياء”. ويعلل بومدين ذلك بفشل الدولة الوطنية في التحول من الشرعية الثورية إلى الشرعية القانونية والعقلانية التي يخضع فيها الناس لعدالة القانون، فالعدل أساس العمران، كما يقول مقتبسا عبارة ابن خلدون. ومما يلفت الانتباه أن الكاتب يهدي روايته “خرافة الرّجل القوي” إلى شعراء منتحرين، مثل صافية كتو، وفاروق سميرة، وعبدالله بوخالفة. ويقول بومدين بلكبير معلقا على ذلك “على الرغم من أن الانتحار ينتمي إلى ثقافات أخرى، والمجتمع الجزائري المُحافظ بحكم ثقافته ودينه ضدّ فلسفة الانتحار الدّخيلة عليه، فإن ظروف السّياق العام للأسف لا تزال تغذي فكرة الانتحار لدى بعض النّاس أو الفئات، التي تحسّ بغربة قاتلة داخل هذا السياق أو تحس باضطهاد ما، سواء أكان نابعا من السلطة أم من المجتمع. وهناك الانتحار غير المباشر من خلال الهجرة غير الشرعية أو الانتحار المباشر التقليدي”. ومن جانب آخر تظهر مدينة قسنطينة الجزائرية في الرواية كمدينة شاحبة. وكأنها ليست تلك المدينة التي نقرأ عنها في نصوص مالك حداد أو أحلام مستغانمي. ويعلق ضيفنا أن قسنطينة كانت حاضرة بفرادتها الطبيعية وخصوصية عمرانها وبجسورها وصخورها، تلك الجسور والصّخور التي لها علاقة حميمة بالإبداع والجنون وحتى بالانتحار. ويضيف أن قسنطينة لا تظهر في الرواية بمكونها الطبيعي فحسب، بل كذلك بمكونها الثقافي وتراثها العريق. لكنها تظهر أيضا، كما يؤكد بلكبير بكل تناقضاتها الصارخة والصادمة في الكثير من الأحيان. فقسنطينة كغيرها من المدن الجزائرية عرفت تدهورا كبيرا تسبب فيه الإنسان قبل كل شيء. :: اقرأ أيضاً رواية ترصد حكاية التفكك الأسري في حي مغربي حضور أردني في تظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية علاء الأسواني كاتب مصري برتبة فارس فرنسي دموع إبليس يصالح المغاربة مع سنوات الرصاص