الإنسان الذي لا يقرأ التاريخ إنسان بلا ذاکرة، فلمَ العجب من قوم يحمدون الله على نعمة النسيان؟! ألم يقل الله تعالى عن آدم " فَنَسِي ولم نجد له عزماً"؟! إنّ أسوء ما تعرضت له بلادنا منذ فجر الاستقلال إلى الآن بعيد كل البعد، وأسوأ بكثير من نهب ثرواتها وقوتِ شعبها، أحقر ما جنى به نظام بومدين (المتواصل إلى الآن فكراً وأشباه رجال) على الجزائر هو سرقة تاريخها وإفلاسها حضارياً وفكرياً، بطمس كلّ معالم تاريخ هذا البلد، عندما ترى دولة لقيطة مثل أميركا قامت منذ عقودٍ قليلة بالصدفة على أرض مسروقة وسياسة محروقة، اكتُشِفَت بالصدفة على يد مرتَزَقةٍ كانوا يقصدون بلاد الهند والسِّند، طلباً للبهارات الحارّة فوقعوا بالخطأ على قارّةٍ جارة، فوجدوا شعباً سمّوه زوراً بالهنود، وما هُم بهنود، وأضافوا لهم نعتاً بالحُمر إسرافاً بالجحود، فقتلوا وروّعوا قوماً كانوا بأرضهم آمنين، وأقاموا دولة بالظلم شاهدين، قُلت.. عندما ترى دولة كهذه تهتم بتاريخها وتعظم شأنه، وتعطي لكل ذي حقٍّ حقّه، وتنشئ المتاحف لعظام الديناصورات والسلاحف، لما قبل التاريخ ودون التاريخ، وتحفُر الأحافير وتُدون الأساطير، وتكتُب كل صغير وكبير، لا تجد حرجاً بذكرِ شنائعِ حربها الأهلية التي قامت بين شمالِها الصّانِع على جنوبِها المزارِع، وتُعلن فضيحة كلّ رئيسٍ مرّ بها على الشُّهودِ والمسامِع، بدءاً بمقتلِ شُرفائها كـ"لينكولن وكِنِدي" إلى فضائحِ "نيكسون وكلينتون" إلى "بوش" الذي تشدّق بالنظامِ العالمي الجديد الذي يحكُم العالم بالنّار والحديد، بل إلى فضائح مُرشّحين لم يصلا إلى سُدّةِ الحُكمِ بعد، رسائل هيلاري الإلكترونية، وعائدات ضرائب ترامب المخفية. أين نحنُ من كلّ هذا؟ واستقلالُنا بدأ منذُ فجره بالتغطية والتّدليس، "اتفاقيةُ افيان" وما أدرانا نحن الشعب المسكين بما اتّفقَ عليه القوم؟! واستفتي الشّعب على استقلاله بها فأفتى، ولا يُنبئك مثل خبير، وما أخبر الشّعب على ماذا استعاد وطَنه؟ فأخذه مهلهلاً كخرقة لا تزَال جلادتُه فرنسا تُمزّقها بُعَيد الاستقلالِ المشروطِ وبعده، بقيت ترضعُ بتروله إلى ما شاء الله. 12 سنة بعد الخلاص وأي خلاص!! ولا تزال تعبث في الصّحراء وتُفجر القنابل النّووية على مرأى ومسمعِ حكومة بومدين الوطنية، سمّتها بعملية الجربوع الأزرق بعد أن تفنّنت بتجاربها على الجرابيع الوطنية بالأبيض والأحمر؛ لتُكمل ألوان علمها الجمهوري الذي قام على الحرية والعدالة والديمقراطية؛ لتقتُل فينا حريتنا وديمقراطيتنا وعدالتنا لملايين السّنين. فسلامٌ عليك يا بن مهيدي، ويا علي ويا حسيبة، وحسبُكم من الجزائر معركة خالدة لم أؤمن بسواها في زيف البلاد المتواصل حدّ السكرة، معركة الجزائر وموت الأحرار والحرائر، ثمّ مصالحة تخفي الحقيقة، بل وتمنعُ وتتوعّد في دستورها كل من يكتب أو يفضح من خاض في أمن البلاد وروّعه... من يُصالح من؟! لا يهم ليس من شأنك حسبُك أن تعلم أن تعيش في بلد العز والكرامة، حتى وإن لم تجد من يحفظ لبلاد الشهداء كرامتها، كيف لنا أن نتجنب الأخطاء وإعادة البلاد إلى نفق التسعينات المظلم؟ لا يهم فليس عليك مهمة إغراق البلد مرة أخرى فالحكومة أدرى بمهامها! من سرق البلاد وجوّع العباد، ليس عليك حسابهم، فقط انظر حولك وسترى إنجازات فخامته، وستنعم بالسلم والأمان إلى ما شاء الله، ما دمت ساكتاً وتضرب الشيتة بإحكام. كيف حال رئيسنا؟ وكيف صحته؟... ليس عليك من الأمر شيء، ألم ترَه يرفع فنجان القهوة باقتدار، ويمضغ حبّة المقروط بإصرار، ويُدشن قاعة للأوبرا بعد تدشينها، ويخرج في الشهر الواحد ثلاث مرات، ألم تشاهده على التلفاز كما كنا نشاهد الأفلام الصامتة.. هذه المرّة بالألوان! * من هو عبّان رمضان؟ - هو إنسان، ورجل من رجال الوطن. * هل هو خائن؟ - لا ندري. * هل هو بطل؟ لا ندري. * إذن من هو؟ - يكفيك أننا في زمن المصالحة الوطنية سمينا باسمه مطاراً وأعطيناه حقه. * ماذا أفعل باسمه على المطار؟ - تقدر أن تسافر منه وتخرج من البلد!* وأسئلتي ضعها معك في حقائبك، ولا تُصرّح بها عند الجمارك، فكل ما يهمّنا هو ما تحمله معك من اليورو والعملة الصعبة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.