ليس أصعب من أن يكون مصيرك بيدك وبيد غيرك، حالات كثيرة من هذا القبيل تحصل في مباريات كرة القدم وغيرها من الألعاب، ولعلّ الحالة الأخيرة التي شهدتها تصفيات المرحلة السادسة الحاسمة لبطولة أمم آسيا في أستراليا والتي تتحكم بمصير فريقين عربيين، الأكثر دلالة على ذلك، ففي تلك المرحلة كانت ما تزال بطاقتان عالقتان وتتعلّق بهما آمال ثلاثة فرق: العراقي واللبناني والصيني، فالأول كان مصيره بيده وحده ولا يتحدّد إلا بالفوز على الصيني، فيما كان مصير كل من الأخير واللبناني مرهوناً بفوزه مع حسابات دقيقة تتعلّق بنتيجة مباراتين: اللبناني مع التايلاندي والعراقي مع الصيني.. العراقي أخذ حقه بواسطة سفاحه يونس محمود الذي استعمل سيفه مرتين في الشوط الأول ليضيف زميله علي عدنان الهدف الثالث.. وكان ذلك أكبر هدية يقدمها لشقيقه اللبناني الذي كان يلعب في الوقت ذاته أمام التايلاندي في بانكوك والذي حلّق لفترة من الزمن في الأجواء الأسترالية، غير أنّ الدقيقة 73 حملت صاروخاً مضاداً للطائرات أصاب أحد جناحي الحلم اللبناني، عبر ركلة جزاء أثيرت شكوك حول صحتها احتسبها الحكم الياباني، سجّل منها الصيني هدفه اليتيم في المرمى العراقي.. ولم تمضِ أكثر من ثلاث دقائق حتى انطلق صاروخ آخر، وهذه المرة من الفريق التايلاندي الذي سجّل هدفه الثاني في المرمى اللبناني لتصبح النتيجة5ـ2 لمصلحة منتخب الأرز، وذلك من علامة الجزاء أيضاً وبواسطة حكم ياباني أيضاً، فأصيب الجناح الآخر للطائرة اللبنانية التي كانت متجهة إلى أستراليا، ولكنها سقطت على الأرض التايلاندية. وهكذا يسقط الحلم اللبناني مرة أخرى في الأمتار الأخيرة، فاللبنانيون ما يزالون يتجرعون مرارة الإقصاء من مونديال 2014 بعدما وصل إلى المرحلة الحاسمة من التصفيات الآسيوية، وها هو يغيب عن أمم آسيا في أستراليا بفارق هدف واحد.. وليصبح الفوز الرسمي الأول للمدرب الإيطالي جيانيني بطعم العلقم بالرغم من أنّ النتيجة كانت 5ـ2، وهي ذاتها التي كان حقّقها بالضبط سلفه الألماني بوكير في مباراة الذهاب ببيروت. ومع ذلك فاللبنانيون راضون عمّا يقدمه منتخب الأرز في السنوات الأخيرة، ذلك أنه ليس هناك عامل مساعد واحد وراء هذا الإرتقاء للكرة اللبنانية على الساحة الإقليمية، سوى إحتراف عدد لا بأس من لاعبيه في الدول العربية وبعض دول شرق آسيا، وأبرزهم رضا عنتر ويوسف محمد اللذان كانا برزا في ألمانيا، قبل أن ينتقل الأول إلى الصين والثاني إلى الإمارات إضافة إلى الحارس عباس حسن (إلفسبورج السويدي) ومحمد غدار (ماليزيا) ومحمد حيدر(الاتحاد ثمّ الفتح السعوديان) وحسن معتوق (الإمارات) وسوني سعد (كنساس سيتي الأمريكي)، ما عدا ذلك ليس هناك ما يوحي بأنّ هذا المنتخب يعكس اهتماماً حكومياً أو دعماً مالياً، وجلّ ما في الأمر إمكانات ذاتية من اتحاد الكرة الذي بالكاد يؤمن مرتب المدرب وبعض الأموال من متبرعين حاول اتحاد الكرة إيجاد إطار تنظيمي لهم بحيث يصبحون لجنة داعمة.. ولكن الركود الاقتصادي والوضع الأمني المتفجّر لا يشجعان. ولعلّ المفارقة الأكبر هي أنّ معادلة:دوري قوي يعطي منتخباً قوياً لا أساس لها في لبنان، فالدوري هو من الأفقر في الدول العربية ويكفي أنّ مدرجات الملاعب غير مفتوحة أمام الجماهير إلا بقدر محدود، وذلك بقرار حكومي نظراً لأنّ المباريات باتت تعكس حالة التمزق التي يعيشها الشعب اللبناني والدولة اللبنانية، وتعطي أبشع صور الانقسام من خلال هتافات طائفية ومذهبية.