قد يقول الكثيرون إنها مفاجأة، وقد يقول البعض الآخر إنها السياسة التي ليس لها أمان. فهذا العالم الذي نعيش فيه والذي يوصف بأنه متقلب وغير يقيني ومعقد وغامض، لا بد له أن ينتج لنا مخرجات لا يمكن التنبؤ بها، وانتخاب الرئيس الأميركي الجديد يعد إحدى تلك النتائج التي أصبحت اليوم حقيقة واقعية يجب التعامل معها بشكل منطقي وواقعي، بعيدا عن الركون للماضي والتعامل مع خلفياته من منطلقات الأنا، فالسياسة لعبة يجب على لاعبيها أن يتقنوها وإلا فلا مكان لهم بين اللاعبين. نتذكر جميعا كيف هللنا مع باقي العرب لانتخاب بارك أوباما كرئيس، ونتذكر جميعنا إثر قدومه كيف بدأ عالمنا العربي في التحول والغليان، حتى أصبح هذا العالم العربي اليوم ساحة لأزمات وحروب لا يمكن لنا أن نتصور حدوثها لولا وجود محرك أميركي خلفها، فالسلبية التي تعامل معها هذا الرئيس الذي هللنا له تعد حجر الأساس للكثير من حالنا اليوم، فاتفاقياته التي لم تضع في عين الاعتبار مصالح دولته في المنطقة كان لها انعكاس على إعادة رسم الفلسفة السياسية والعسكرية للعديد من دول المنطقة، فتدخلت دول كبرى في المنطقة وتنمرت جماعات مسلحة دون رادع، وتفرعنت دول على حساب الشعوب وعلى حساب الاستقرار في المنطقة. اليوم علينا التعامل مع الرئيس ترامب لا من منطلق التشكك رغم خطابه التصادمي، بل من منطلق حساب الأرباح والخسارة لنا قبل أن يكون الأمر لهم، وقد كانت السعودية من أوائل الدول التي أرسلت تهانيها للرئيس المنتخب، متمنين له التوفيق في مهامه بما يحقق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع، وهي العوامل التي ستعمل المملكة مع الإدارة الأميركية الجديدة على تحقيقها باعتبارها الجامع المشترك بينهما والعامل الأول لاستقرار العلاقات بينهما. في الطرف الآخر علينا أن نبدأ بإستراتيجية جديدة في العمل في الداخل الأميركي، فالدبلوماسية الشعبية لم ترق للمستوى الذي يؤثر في الشارع الأميركي، والتفاهمات على المستوى الإستراتيجي ما زالت تدار من منطلق الدفاع والهجوم، والاعتمادية على أسماء وشخصيات بعينها أثبتت أنها لم تسهم بالشكل المطلوب إلا على المستوى الإعلامي المحلي، وذلك بطبيعة الحال لن يحقق الهدف المنشود. علينا وضع خطة تفاهم توازن بين تفهم الطرف الآخر والمرونة في إحداث التغير الداخلي، إضافة للبحث عن جوامع مشتركة مصلحية دائمة مع هذه الإدارة.