المستشفيات والمستوصفات العامة في العراق هي الملاذ الرئيس للمرضى من الطبقة الفقيرة ومحدودي الدخل. لكن المستوصفات تحديداً لا تلبي دوماً حاجات الناس إلى الدواء. فعبارة «اشتريه من برا»، باتت مألوفة التداول بين الأطباء العاملين في تلك الأماكن التي تفتقر إلى الكثير من الأدوية والمستلزمات الضرورية لإعانة المرضى، وهي نصيحة مجانية يقدمها الطبيب لمراجعيه بشكل يومي لتوفير التعب الناجم عن الوقوف في طابور، ومن ثم اكتشاف عدم وجود الدواء، فالطبيب في هذه الحال يختصر على مرضاه المجهود، لأنه أكثر علماً بما تحويه صيدلية المستوصف من أدوية. القضية الأهم في موضوع الأدوية في العراق لا ترتبط بنقص الأدوية فحسب بل في استيراد وزارة الصحة العراقية أدوية منتهية الصلاحية في عمليات فساد كشفها مراراً المفتش العام في الوزارة، الذي رصد وجود عمليات فساد بأكثر من 400 مليون دولار وقيام بعض المسؤولين بحرق مخازن الأدوية بعد اكتشاف الصفقات الفاسدة التي أبرموها مع شركات أدوية من خارج البلاد. وتبدأ مشكلة الأدوية الفاسدة في العراق من اللجان التي تتعاقد على استيراد الأدوية وتنتهي عند أرفع المستويات في الوزارة، وفق هيئة النزاهة التي سبق أن استدعت مسؤولين في الوزارة للتحقيق معهم في القضية. ويقول أحمد عبد الرحمن أحد المستوردين للقطاع الخاص، إن وزارة الصحة كانت تستورد في الماضي أدوية جيدة ومطابقة للمواصفات أكثر من القطاع الخاص وتبيعها للمواطنين بأسعار مناسبة عبر منافذها من المستشفيات والمستوصفات العامة، وكانت المشكلة تكمن في القطاع الخاص، أما اليوم فهي تفرض شروطاً معينة على استيراد الأدوية من جانب هذا القطاع فيما تستورد هي خارج المواصفات أدوية تالفة. قبل عامين انتشرت في الأسواق مجموعة من الأدوية المستوردة المنتهية الصلاحية، من مناشئ عالمية. وتم اكتشاف انتهاء صلاحيتها بعد وصول الشحنة إلى العراق وبعد توزيعها على منافذ البيع، فضلاً عن قيام لجان التفتيش في الوزارة بسحب عدد من الأدوية من السوق ومخازن الأدوية الحكومية بعد اكتشاف تلوثها أو انتهاء صلاحيتها. يقول حسين علي الربيعي الذي يعمل في إحدى العيادات الشعبية في الحرية، إن الوزارة تستورد في الكثير من الأحيان أدوية جيدة يحتاج إليها المراجعون لكنها تختفي بسرعة من منافذ البيع الحكومية وتظهر بشكل مفاجئ في الصيدليات الخاصة. ويؤكد أن الخطوة الفضلى للحد من أي استغلال هو تمكن المرضى الذين يعانون أمراضاً مزمنة من الحصول على حاجتهم من الأدوية بشكل مجاني من المستشفيات الحكومية والمستوصفات العامة بدلاً من البحث عنها في الصيدليات الخاصة». وتبقى الأسر ذات الدخل المحدود والفقيرة الأكثر تضرراً من فقدان الأدوية في المستشفيات الحكومية بسبب عدم وجود ضمان صحي في البلاد يسمح لها بتلقي العلاج في المكان المناسب، فطوابير المستشفيات تمتد طويلاً بأفراد تلك الأسر التي لا تتمكن من الحصول على العلاج في أي مكان آخر نظراً إلى ضيق ذات اليد. ويمتنع الكثيرون عن أخذ العلاج مع تحويلهم إلى المستشفيات الخاصة. وتقول بتول، التي تراجع إحدى العيادات الشعبية في حي الصدرية: «لا أعلم لماذا يكتب لنا الطبيب علاجاً غير متوافر في الصيدليات الحكومية التابعة للعيادات الشعبية». وبتول مثل كثر غيرها لا تتمكن من شراء الدواء خارج المنافذ الحكومية التي وإن وفرت نوعيات جيدة من الأدوية فإنها تفتقر إلى الكثير من الأدوية الفاعلة. العراقفساد