أجد من يتفق معي بأن فوضى الأداء العمّالي في بلدنا تجعل من أمورنا مجموعة أشياء مختلطة بغير نظام. فقد كان اليماني يعمل موزع صحف في الصباح الباكر، ومُقدم وجبات في الظهر وعامل ربط كهربائي في الليل (شخصيا رأيتُ واحدا). وهذا الذي رضينا به لفترة طويلة من الزمن أوجد الاضطراب واللانظام الذي نشأ عنه شقّاً نحاول عبر السنين أن نُرقّعه. فأنظمة العمل مدعومة بإلحاح الحاجة جعلت أرباب العمل يوكلون مهمات إلى غير أصحابها. وتحدّث الناس أن الحملات الأخيرة كشفت عن عمّال غير مهرة يستقبلون الوصفات الطبية في الصيدليات ويبحثون عن الدواء في أرفف العرض، على غير هدى. كذلك من استلم معدات لدى مقاولين تحتاج إلى خبرة لتأدية عملها بأمان ودقة. وعمال رافعات برجية تدربوا على تشغيلها والتعامل معها عندنا. وما دام العمل يسير فرب العمل لا يهمه عدد الإصابات المتوقعة من جراء استعمال المعدة بطريقة خاطئة. ولو أننا قبل موجة استقبال العمالة، أو المتاجرة بها قرأنا نصوص أنظمة نقابية وعُمالية في بلدان أخرى وحاولنا تطبيقها، أو على الأقل بعضها، لوجدنا أنهم - في الغرب - لديهم مُصطلح أو جملة تُسمى (Closed Shop). وهي - أي الأنظمة - تعارفٌ نقابي لا يجوز لأي رب عمل تجاوزه، وإن تجاوزه طلباً للكسب فسيجد نفسه يحتاج إلى الصرف على محامين ليخلصوه من ورطته لقاء عدم التقيّد بتشريعات النقابة. والكلمتان اللتان أوردتهما بالإنجليزية تعنيان أن دائرة العمل في تلك المؤسسة أو الشركة أو القطاع وقفُ على من يحمل بطاقة عضوية نقابة المهنة (كهرباء) (نجارة) (سباكة) (صيانة) - والأخيرة أيضا مصنّفة. وتتقاضى النقابات اشتراكات رمزية تُخصص للدفاع عن أرباب المهنة، وأيضا تساهم في إعداد برامج تطوير المهنة. والنقابات أو أي مسميات مشابهة هي مؤسسات مجتمع مدني، وهي المؤسسات الشرعية التي تمثل أصحاب المهن المتشابهة والمترابطة بغرض توحيد الجهود وتطوير العمل وضمان حقوق الفئات وتمثيلهم أمام القطاع الحكومي والخاص. وأجدنا في المملكة العربية السعودية أضعنا وقتا وجهودا في الحوار والمناقشة والإعداد لمشروع مؤسسات نقابية تكون سياجا للمهن، عن الطارئين وغير المتمرسين. يقول رجل أعرفه إنه استدعى وافدا لعمل شيء معين في ثلاجته المنزلية. عاد رب العمل إلى المطبخ عندما رأت زوجته دماءً في المطبخ، ولم يجد العامل. وبينما هما في حيرة دق جرس الباب وإذا به العامل نفسه "يريد أن يُكمّل" - فأعطاه رب العمل مبلغا بسيطا ونصحه بالذهاب إلى أقرب مستوصف. وظهر أنه استعمل نوعا من المفاتيح غير المهيأة للعمل نفسه وذهبت إلى رسغه بدلا من أنبوب يريد فكّه على غير علم.