تخيل معي هذا المشهد. طائرة F-16 أميركية تحلق فوق سوريا. تم القبض على الطيار من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، التي تهدد بقطع رأسه. يُظهر الفيديو الطيار حيث يتم تعذيبه في قفص، بينما يتهكم الإرهابيون على الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب. تتوسل أسرة الطيار للبيت الأبيض لإنقاذه. ويتصدر الحدث شبكات الأخبار التلفزيونية على مدار اليوم. يا لها من ضجة إعلامية! كيف سيتصرف ترامب؟ الجواب: لا أحد يعرف. فترامب يفتقر للخبرة العسكرية، حيث لم يخدم أبداً في صفوف الجيش. وليست لديه أي خبرة في العمل الدبلوماسي. كل ما يملكه ترامب هو شيء واحد، قابليته للضرب أولاً، ثم طرح الأسئلة لاحقاً. أسلافه كانوا يحايلون الوقت، أو يناشدون حلفائهم، أو يتقنعون بإنكار ما يحدث، أو يتحدثون خلف الأبواب المغلقة لطرح فرص الإنقاذ. لكن الرئيس ترامب يختلف تماماً؛ فهو لم يعتد على تحمُّل الأعباء الرئاسية تحت الضغط، غاضباً من تهكمات "داعش"، ومن اتهامه بالتردد، ولا ينوي أن يُظهر ضعفه. من السهل أن يتخذ ترامب مواقف متسرعة وكارثية. فببعض الكلمات شديدة اللهجة، يمكن لترامب أن يخسر الطيار ويورّط الولايات المتحدة كلها في حرب جديدة، لا فِكاك منها، مع الشرق الأوسط. تقرير لصحيفة البريطانية اعتبر أن شكوكاً مميتة حول انعدام خبرة ترامب، ومزاجه المتقلب، واندفاعه الشديد، خاصة في بعض القضايا الدولية الساخنة، حيث يفترض أن قرارات الرئيس تكون دائماً حاسمة، وقد تكون قاتلة في بعض الأحيان. 5 قضايا شائكة التقرير عرض 5 قضايا مهمة قد تختبر منطق وحكم الرئيس المبتدئ، في أول 100 يوم من توليه الرئاسة. وحسب الغارديان فإن مشهد "داعش" السابق ليس من وحي الخيال بشكل كامل. ففي يناير/كانون الثاني 2015، تم القبض على طيار القوات الجوية الملكية الأردنية، معاذ الكساسبة، بواسطة الجهاديين، وتم حرقه حياً حتى الموت داخل قفص، بعد فشل كل المفاوضات لتسليمه. أصبح مثل هذا الحادث قابلاً للتكرار، شاملاً لعرب وأوروبيين وأميركيين من مناهضي تنظيم الدولة الإسلامية، خاصة مع اقتراب نهاية الحرب على خلافة "داعش". سوريا والعراق أصبحت الحرب تدور في جبهتين رئيسيتين: إحداهما تتمثل في حصار الموصل (شمال العراق)، وفِي هذا الإطار انتقد ترامب الحملة المكونة من قوات السنة والشيعة والأكراد، المدعومة بـ300 جندي من القوات الخاصة الأميركية. لكنه لم يطرح خطة بديلة. والأمر ليس مختلفاً عن محاولات حصار مقرات داعش الرئيسية في مدينة الرقة (شمال سوريا). يقول ترامب إن الحرب على الإرهاب على قائمة أولوياته، وإنه "سيفجر تنظيم داعش عن آخره". ولكن لا أحد يعرف كيف سيفعل ذلك، بمن فيهم هو شخصياً. وهل لو دارت الحرب بشكل سيئ، سيلجأ إلى التصعيد؟ هل سيفجر مدناً بأكملها بمواطنيها؟ هل هو مستعد لنشر القوات الأميركية على الأرض. ماذا سيفعل لو استمر الحصاران، أو بدأت داعش في قتل المدنيين بشكل يومي؟ لقد صرح الرئيس رجب طيب أردوغان بأنه يريد شيئين من ترامب: نهاية الدعم الأميركي للأكراد في سوريا، وتسليم فتح الله غولن، رجل الدين التركي المقيم بأميركا، والمتهم بقيادة انقلاب فاشل في الصيف الماضي، وبتراجع "داعش" وهدوء الحكومتين العراقية والسورية، قد ينفجر العداء الكردي-التركي في أي وقت، حيث يحاول الأكراد رسم حدود جديدة، والسيطرة على الإقليم والموارد. روسيا وأوروبا الشرقية رفع ترامب سقف التوقعات بتصريحه بأن بإمكانه رأب الصدع بين روسيا والولايات المتحدة. لكن لابد من دفع الثمن. في المقام الأول، يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلغاء العقوبات المفروضة بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014، صرّح ترامب بأنه قد يوافق على ذلك، ما أدى لفزع أوروبا. ويبدو أن بوتين شق طريقه بشكلٍ كافٍ في سوريا، بعد أن دفعت القوات الروسية حليفها، بشار الأسد، إلى حافة الانتصار في حلب ومواقع أخرى. ولم يعترض ترامب بشكلٍ واضح على سياسات روسيا داخل سوريا، حتى بعد أن صرّحت الأمم المتحدة بأنها قد تعلن عن جرائم حرب في حلب. ربما يكون ترامب سعيداً بأن الأسد لا يزال متولياً السلطة، أو أن يعامله كمناهض لتنظيم "داعش". ومع ذلك، فعودة النظام لاستخدام الأسلحة الكيماوية، مثلاً، أو الممارسات الوحشية الروسية، أو تفاقم كارثة اللاجئين، قد يفجر أزمة في وجه ترامب، ما قد يجبره للتحرك ضد بوتين من جديد، خاصة أنه مازال هناك مؤيدون لفكرة مناطق الحظر الجوي والملاذات الآمنة للمدنيين. إن اتبع ترامب هذا الطريق، فقد ينتهي به الحال لمواجهة القوات الروسية. ولا يستطيع الحلفاء الأوروبيون فعل الكثير إزاء لامبالاة ترامب بسوريا. لكنهم سيواجهونه بشدة حال انقلب على حلف الناتو، كما صرح. وبلغ الضغط الروسي على أعضاء حلف الناتو الشرقيين من جمهوريات البلطيق، إضافة لبولندا وبلغاريا، آفاقاً مختلفة، من التدخل السياسي، للتضليل، للهجمات الإلكترونية، لنشر الصواريخ، والتدريبات العسكرية. وأصبحت عمليات استغلال النفوذ وزعزعة الاستقرار تحدث بشدة في مولدافيا ومونتنيغرو وأماكن أخرى من جزر البلقان. ولايزال يمثل شرق أوكرانيا قنبلة موقوتة. وقد تشتعل إحدى هذه القضايا في أول 100 مائة من تولي ترامب للرئاسة. وتريد الحكومات الأوروبية أن تمثل جبهة موحّدة وقوية. لكن يبدو أن ترامب مهتم بكسب ودّ روسيا عن طريق قبول طلب بوتين باسترداد مناطق نفوذ موسكو أثناء الحرب الباردة سابقاً. المشكلة هي ازدراء ترامب للاتحاد الأوروبي، فقد صفق لخروج بريطانيا من الاتحاد، ورد الفعل الأوروبي الحرج تجاه ترشحه، خاصة ألمانيا وفرنسا، يشيران لإمكانية حدوث انشقاق في الصف الأميركي-الأوروبي. إن حدث ذلك، سيكون ترامب قد ساعد بوتين لتحقيق هدف سياسي غالٍ وهو تدمير 70 عاماً من العلاقات اليورو-أطلنطية. الصين لا يبدو أن بكين ستتراجع عن سياساتها التوسعية في بحار شرق وجنوب الصين. فهي مشغولة بشدة في تحويل الشعب المرجانية والجزر الصغيرة إلى قواعد عسكرية، ما سيمنحها السيطرة على الممرات البحرية التي تمر من خلالها معظم قوافل التجارة الدولية البحرية. ولا تزال الصين تتجاهل المطالبات الإقليمية من قبل دول الجوار، بما فيهم اليابان، التي تتهدد تجارتها بشكل مباشر. ولمقاومة الصين، قامت الولايات المتحدة واليابان بعمل دوريات جوية بالمناطق المتنازع عليها. وقامت الدولتان أيضاً بالسعي للتعاون العسكري مع دول المنطقة مثل فيتنام وأستراليا، فيما رفضت الأمم المتحدة الممارسات الصينية، نتيجة لدعوى مرفوعة من قبل الفلبين بمحكمة العدل الدولية بلاهاي، ووصفتها بـ"غير الشرعية". لكن بكين رفضت الإذعان للقرار، وتوددت لرئيس الفلبين المعادي للولايات المتحدة رودريغو دوتيرتى. بهذا الشكل، من المحتمل جداً أن تقع مواجهات عسكرية بحرية وجوية بين الصين والولايات المتحدة، عاجلاً أم آجلاً. لكن حتى الآن، لايزال الطرفان يتجنبان الصدام، حيث لا يعرف كلاهما عقبات مثل هذا الصدام. من وقت لآخر، ويقوم الحزب الشيوعي الصيني بدغدغة الحس القومي لدى الصينيين. إن تخبط ترامب في هذا الموقف الحساس، أو تعمد الضغط على بكين، ستكون العواقب وخيمة جداً. ومن حيث خطورة الموقف، تمثل تايوان، كما كانت دائماً، فخاً للرئيس الأميركي الجديد المتهور. في طليعة هذا العام، انتخبت تايوان رئيساً جديداً للبلاد، الذي يعتقد الصينيون أن لديه مساعي لبرنامج استقلال. ما زاد الضغط منذ ذلك الحين على تابيه. ومثلت تايوان صراعاً معلقاً لوقت طويل، والذي من الصعب تصور أنه في قلب الحدث الآن. لكن الرئيس الصيني شي جين بينغ كان واضحاً في تصريحه، أنه لن ينتظر لأجل غير مسمى لأجل الاتحاد. لقد اعتاد أن يحصل على ما يريد، مثل ترامب تماماً. كوريا الشمالية وإيران قضية الانتشار النووي هي العامل المشترك بين هذين البلدين. دائماً ما تنكر إيران حيازة أو محاولة الحصول على أو بناء الأسلحة النووية. وقد تمخض اتفاق العام الماضي التاريخي بين واشنطن وحلفائها في أوروبا وطهران، عن تعهّد طهران بعدم السعي لعمل قنبلة نووية في المستقبل أو حتى في العشر سنوات المقبلة. لكن ترامب قال علناً إن الاتفاق سيئ للغاية، ولابد من إلغائه. موقف ترامب هذا يقوّي جبهة المتشددين في إيران، الذين يهاجمون سياسة التنازلات النووية التي يتبناها الرئيس الإيراني حسن روحاني مقابل تخفيف عقوبات الأمم المتحدة على إيران، ومن جهة أخرى فإن حكومة إسرائيل اليمينية، بقيادة بنيامين نتنياهو، حليف ترامب الجديد، تريد أيضاً أن يتم إلغاء هذا الاتفاق. إن نفَّذ ترامب ما ينويه، سيتم تقويض روحاني، وكذلك الجهود العالمية لمكافحة انتشار الأسلحة النووية. أما رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، فليس لديه أسلحة نووية فحسب، لكنه يعمل على تسريع وتوسعة برامج الدولة لبناء الأسلحة، لتهدد بذلك اليابان، كوريا الجنوبية، والغرب بأكمله. في الماضي، اقترح ترامب أن يقابل كيم، لكن العرض قوبل بسخرية من بيونغ يانغ. قد يسجل هذا الرهان بين كيم وترامب رقماً قياسياً في قياس غرور كل منهما. لكنه لن يؤدي إلى شيء. واقتراح ترامب الآخر بأن تتسلح كوريا الجنوبية واليابان بالأسلحة النووية لردع كوريا الشمالية، كان من أكثر الاقتراحات حمقاً على الإطلاق، منذ تجربة اليابان مع الأسلحة النووية عام 1945. ستراقب كوريا الشمالية سياسة ترامب عن كثب. إن استشعرت تخبط ترامب، أو لا مبالاته بقضايا الأمن في آسيا (والتي تبدو بكل تأكيد هي قضية العصر)، قد يقوم كيم بأي عمل أرعن، لاختبار رد الفعل الأميركي. وذلك تصور مخيف جداً. إسرائيل وفلسطين اتخذ ترامب صفاً موالياً لإسرائيل منذ بداية السباق الرئاسي، وقال إنها ستكون "الصديق الأقرب". ما يضع، بشكل عملي، هذه العلاقة موضع تكهنات. لكن مستشاري ترامب صرحوا للإعلام الإسرائيلي بأن على قائمة أولوياته نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. هذا القرار - الذي تمت مقاومته من الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين السابقين - له أهمية رمزية واضحة إزاء محاولات إسرائيل طوال الوقت المطالبة بجعل القدس عاصمة لها. قد يلغي هذا، بضربة واحدة، مطالبات الفلسطينيين بجعل القدس الشرقية عاصمة مستقبلية لدولة فلسطينية مستقلة. ظل رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، حريصاً على دعم ترامب، خاصة أنه اختلف مع باراك أوباما حول جهوده لإقرار السلام وبعض القضايا الأخرى الخاصة بالمنطقة. قد يؤتي تذلل نتنياهو لترامب ثماره أخيراً. كما هو معروف، فإن نتنياهو هو أول رئيس أجنبي تمت دعوته للبيت الأبيض بعد تولي ترامب للرئاسة. بعض وزرائه يتوقعون فشل أي محاولات أميركية لتنفيذ حل الدولتين. قامت القيادة الفلسطينية على استحياء بتهنئة ترامب لفوزه بالرئاسة. لكن إن قام بنقل السفارة كما قال، سيكون الغضب في غزة والأراضي المحتلة عارماً، وقد يؤدي لأحداث عنف. آخر ما يتمناه الشرق الأوسط هو حدوث انتفاضة أخرى. لكن كما يعرف العالم كله، إشعال الثورات هو تخصص ترامب. - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط .