على رأس تل في أعلى مكان في جزيرة تاروت، تبرز قلعة بلونها البرتقالي وتاريخها العريق وأثرها الكبير وسحرها الخاص، منتصبةً في مكان حيث البيوت من الطين، أبدع القدامى في تصميمها وهندستها. وتقع جزيرة تاروت التي يعود تاريخ الاستيطان فيها إلى أكثر من خمسة آلاف عام قبل الميلاد، على الضفة الغربية من الخليج العربي شرق مدينة القطيف، داخل خور واسع من البحر يحيط به غرباً ساحل القطيف، وجنوباً ساحل الدمام، وشمالاً رأس تنورة الممتد إلى محاذاة الجزيرة من الشرق. وهي أوسع الجزر الواقعة على شاطئ الخليج داخل المملكة، وثاني أكبر جزيرة في الخليج بعد البحرين التي كانت تسمى سابقاً "أوال"، بحسب الموقع الإلكتروني للهئية العامة للسياحة والتراث الوطني. وتتموضع القلعة التي بُنيت بين العامين 1515 و1521 ميلادي في طرف حي الديرة في بلدة تاروت (إحدى بلدات الجزيرة الخمس)، ومن غير المعروف حتى الآن من الذي بناها، على رغم ترجيحات بعض المتخصصين في الآثار أن أهالي القطيف وتاروت بنوها لتحميهم من هجمات البرتغاليين إبان غزواتهم سواحل الخليج، لكن آخرون يُرجّحون ان الغزاة البرتغاليين هم من شيدوها لتحميهم من هجمات الأتراك، ثم اضطُروا إلى تسليمها والخروج في العام 1559. وتتكون القلعة من أربعة أبراج وفناء مستطيل تتوسطه بئر عميقة يُعتقد أنها خصصت لتخزين المؤونة في فترات الحصار. وتزخر دارة الملك عبد العزيز بكثير من المقتنيات الأثرية ذات الدلالة التاريخية المهمة، التي اكتُشفت في الموقع، وآخرها مدفع حربي قديم، يعود تاريخه إلى الحقبة الزمنية نفسها، وهو موجود في متحف الدمام الإقليمي. ومن المقتنيات الأثرية المهمة التي عُثر عليها في تاروت، تمثال من الذهب الخالص لـ«عشتاروت»، اكتُشف في أحد بساتين النخيل، بالإضافة إلى كثير من التماثيل والأواني النحاسية والفخارية والأسلحة التقليدية التي تُعرض حالياً في متحف الرياض. ويُرجح أن اسم «تاروت» أُخذ من «عشتار» أو «عشتاروت»، التي ترمز إلى «الحب والحرب» عند البابليين والكنعانيين، ومنهم الفينيقيين، وهي من أقدم البقاع التي عاش فيها الإنسان في العالم وشبه الجزيرة العربية. وبحسب الاكتشافات الأثرية، استمر الاستقرار البشري في الجزيرة خلال تلك القرون وحتى اليوم، وهو أمر يندر حدوثه في كثير من المناطق الأثرية حول العالم، وتميّزت بدور كبير في الحركة التجارية في الخليج، إذ اعتمدت بلاد الرافدين وبقية المنطقة الساحلية في شرق شبه الجزيرة العربية عليها تجارياً. فيما مثلت أحد أهم المنافذ البحرية للمملكة، فكانت في الماضي ميناءً ترسو فيه السفن القادمة من موانئ الخليج الأخرى ومن بحر العرب وبلاد الهند. ويعد حي الديرة وسط بلدة تاروت الأقدم في الجزيرة، إذ يُرجح أنه شُيد في عهد الفينيقيين، ويحوي بيوت طينية وحجرية متراصة ذات أزقة ضيقة وممرات، وللبلدة سور يحيط بها، بُني لصد هجمات المعتدين. ويحدها من الغرب حصن تاروت، الذي يقع على ربوة تُعتبر الأعلى في الجزيرة، وإلى الشمال منه، عين تاروت التي تُعرف بـ«حمام تاروت»، وكانت المورد المائي الوحيد سابقاً، واعتاد البحارة الذين عانت أجسادهم من ملوحة ماء البحر، ارتياد الجزيرة قديماً، والاستجمام في حمام تاروت للاسترخاء في مياهه الكبريتية. وعلى رغم عراقة الأماكن التاريخية في تاروت، لكنها شهدت قفزة عمرانية كبيرة وتطوراً كبيراً شمل مناحي الحياة كافة، إذ أُنشئت ثلاثة جسور توصل القطيف بالجزيرة، بالإضافة إلى كورنيش دارين الذي يستقطب العائلات ويضم ميناء لسفن الصيد. وأعلنت الهيئة العامة للسياحة والآثار في العام 2009، نيتها درس تطوير قلعة تاروت الأثرية والمنطقة المحيطة بها، التي تشمل عين العودة الأثرية والسوق الشعبية وبعض المنازل القديمة في منطقة الديرة، وإعادتها إلى صورتها التاريخية السابقة وتطويرها. وأكدت الهيئة ان عملية التطوير ستشمل «قلعة تاروت الأثرية، وعين العودة الأثرية، وربما أبعد من ذلك، بالإضافة إلى التنقيب عن الآثار الموجودة تحت الأرض، التي قد تكون مهمة جداً». وتشكل قلعة تاروت الماضي والحاضر لسكان المنطقة ووجهتهم لبعث رسائلهم إلى العالم، إذ استخدم أحد السعوديين من عشاق ومشجعي اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي، قلعة تاروت منبراً يطالب فيه اللاعب بالتراجع عن قرار اعتزاله اللعب دولياً. وصور الشاب السعودي نفسه مرتدياً زي المنتخب الأرجنتيني، رافعاً لوحة كُتبت بالعربية والإنكليزية والأرجنتينية، ولربما رغب الشاب، ولشدة حبه لميسي، في توجيه رسالة إلى العالم للحفاظ على كل ما هو ثمين ويسجله التاريخ، وتكون ذكرى اللاعب بالنسبة إليه راسخة في نفسه كرسوخ ذكرى قلعة تاروت في وجدان سكان القطيف والمنطقة الشرقية عموماً.