بعد ست سنوات من البناء وبتكلفة سبعة ملايين دولار، اُفتتح في رام الله متحف ياسر عرفات لتخليد مسيرة شعب برمته على مدى 100 عام من خلال لوحات ونصوص وصور وأشرطة فيديو. وافتتاح المتحف يأتي متزامناً مع الذكرى 12 لرحيل عرفات. وتم تشييد متحف ياسر عرفات لعرض مسار الشعب الفلسطيني منذ 1900 حتى عام 2004، وللتذكير بمسيرة الرئيس عرفات بصفته رمزا فلسطينيا وقائدا للسلام. ويشمل المتحف 120 لوحة من النصوص والصور و33 شريط فيديو، وعدد من اللوحات الفنية وجداريات للشخصيات الأكثر تأثيرا في التاريخ الفلسطيني، إضافة إلى العديد من النصوص ووثائق أرشيفية ومركزا لمصادر المعلومات. ويعرض المتحف الذي بني خلف ضريح الرئيس الراحل في مدينة رام الله، على جانبي أربعة مسارات طولية للمشاة، الطابق الأول والثاني دون أدراج، وهناك جسر يربط بين المبنى الحديث للمتحف ومقر المقاطعة القديمة، حيث كان مكتب عرفات في الطابق الثاني منه قبل أن ينتقل إلى الأول بعد حصاره الذي بدأ في 8 من ديسمبر/كانون أول 2001، وانتهى في 29 من أكتوبر/ تشرين أول 2004، وقبل أن يغادرها للعلاج في فرنسا برحلة اللا عودة. في الطابق الأول الذي يصله زائر المتحف عبر درج ضيق ومعتم، بقيت غرفة الرئيس عرفات المتواضعة بمساحة خمسة مترات كما هي: سرير بسيط وخزانة علقت فيها بدله الأربع الرسمية، وعدد من الكوفيات الفلسطينية وطاقية، وفرشاة وثلاجة صغيرة، في حين وضع إطار لصورته مع ابنته "زهوة" فوق جهاز التلفاز. تبلغ مساحة المتحف 2600 مترا مربعا، وصممه المهندس الفلسطيني جعفر طوقان المتوفى عام 2014 قبل أن يرى تصميمه مكتملاً على أرض الواقع. وتوثق المسارات التي أضيئت بنور خافت يعلو المقتنيات، الأحداث التاريخية التي مرت على الشعب الفلسطيني أو تلك العالمية التي كان جزءاً منها، ومنها مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وعملية ميونخ، وإسقاط طائرة الرئيس عرفات في الصحراء الليبية، ومسودة اتفاقية أوسلو وغيرها من الأحداث. ومن بين مقتنيات الرئيس الفلسطيني الراحل التي يعرضها المتحف، نظاراته الشخصية وقلمه وأوراق كلمته في الأمم المتحدة عام 1974 بخط يده، وراديو ترانزيستور ونسخة من القرآن الكريم، بالإضافة إلى نموذج هندسي يعيد إنتاج الغرفة التي نشأ فيه عرفات في القدس عند أخواله آل أبو السعود. ويعرض المتحف ميدالية وبراءة جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها ياسر عرفات عام 1994 وشاركه فيها وزير الخارجية الإسرائيلي في حينها شمعون بيريز، وقد استرجعتها الحكومة الفلسطينية في رام الله من حكومة حماس في غزة، ويتم متابعة استرجاع المزيد من مقتنيات عرفات هناك. ويقول الدكتور ناصر القدوة رئيس مؤسسة ياسر عرفات وهي الجهة المشرفة على المتحف: " إنه أرشيف ياسر عرفات الوحيد المتماسك والغني، لكنه تعرض لضربات شديدة نتيجة الأحداث المتعاقبة والتنقل ما بين بيروت وتونس والجزائر وقبرص وغزة، بينما تمت المحافظة على سلامة أرشيف ومقتنيات أبو عمار داخل المقاطعة". وبحسب القدوة فإن السلطة الوطنية الفلسطينية مولت تشييد المتحف وقدمت الدعم اللازم بالرغم من الصعوبات المالية التي تواجهها، كما تمت الاستعانة بجهات خارجية نظراً لضحالة الخبرة الفلسطينية في هذا المجال. ويحيي الفلسطينيون اليوم الجمعة الذكرى الثانية عشرة لوفاة عرفات الذي توفي في 11 من تشرين الثاني-نوفمبر 2004 في مستشفى بباريس بعد تدهور طرأ على صحته ولم تعرف حتى اليوم أسباب وفاته. وبعد وفاته، بقي ياسر عرفات رمزا وطنيا للشباب الفلسطيني خاصة وللشعب الفلسطيني عموما، وإن تفاوتت الآراء حول السياسة التي نهجها للتوصل إلى حل سلمي مع إسرائيل، لكنهم حتى اليوم يلقبونه بالرئيس أو الأب. وفتح المتحف أبوابه أمام الجمهور في العاشر من تشرين ثاني الجاري، بواقع ست أيام في الأسبوع، وسيوفر للزائر مقابل تذكرة دخول بمبلغ رمزي، دليلا إلكترونيا تفاعليا مرتبطا بوسائط صوتية ومرئية مختلفة، وسيكون متاحا للباحثين والطلبة والمهتمين بالاستعانة بالأرشيف وغيرها من المصادر المتوفرة هناك. تم بناء أرض المقاطعة خلال الانتداب البريطاني عام 1939، واستخدمت بين عامي 1948 و 1967 مقرا للشرطة الأردنية، ثم أصبحت مركزا للإدارة المدنية ومركز اعتقال، وبعد قيام السلطة أصبحت أحد مقرات الرئاسة الفلسطينية وفيها مكتب الرئيس الفلسطيني.