×
محافظة المنطقة الشرقية

حوار – أنتونيو كونتي يشرح لماذا لعب تشيلسي بطريقة 3-4-3

صورة الخبر

بيروت - بالقرب من وسط العاصمة اللبنانية بيروت، تنتصب المكتبة الوطنية التي تجد في جنباتها ما غاب عنك من زمن وفيك إلحاح الباحث عن المفقود أو المغيّب من ويلات الحرب الأهلية والاضطرابات الأمنية التي عصفت بالبلاد. وبمجرد دخولك إلى باحة الصرح العريق وأصبحت جليس معرضه "الفن بتصرف الكتاب"، تجد حواسك تصغى له وترغب في أن الوقت لا ينتهي لكي تنهل منه ما يُسكت جوعك المعرفي. صرحٌ ضمّ نخبة من المثقفين والأكاديميين على مدى عقود عندما كان مقراً تاريخياً لكلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، وتحوّل إلى مكتبة عامة تستعد لفتح أبوابها قريباً للعموم، لتصبح مقراً للكتب التي تبعثرت أوراقها كثيراً وأهلكها الزمن، وهي تصارع نيران البارود. خطأٌ في ترقيم صفحات كتاب صدر عام 2010، تناول الصحافة اللبنانية على مدى قرن من الزمن (بين 1858 و1958)، منع القائمون عليه من طرحه في الأسواق، كان سبباً في تنظيم معرض مميز في باحة المكتبة، حمل عنوان "الفن بتصرّف الكتاب". 55 فناناً لبنانياً من أجيال مختلفة، حوّلوا كتاب "قرن من الصحافة في لبنان" إلى قطع فنية عُرضت في أرجاء المكتبة الوطنية. فكرة المعرض تعود إلى رئيسة "مؤسسة المكتبة الوطنية"، رنده الداعوق. أما الإعداد فهو لصاحبة "غاليري جانين ربيز"، نادين مجدلاني بكداش، التي قالت إنّها اختارت 55 فناناً تشكيلياً لبنانياً ليضعوا ابتكاراتهم في خدمة هذا الكتاب الذي يروي تاريخ الصحافة في صفحاته، و"كان من غير المستحبّ إتلافه بسبب الخطأ الذي طرأ في الترقيم". وتضيف بكداش "جمعنا مختلف الأجيال لتشكيل باقة من الفنانين المخضرمين والمبتدئين، ليبتكروا ما يريدونه من أعمال، شرط إبقاء آثار الكتاب على اللوحات، فمنهم من رسم على الكتاب نفسه، وبعضهم جعله منحوتةً تجسّد الحرب التي تركت جرحها في قلب كل واحد منهم". داخل الباحة الواسعة يجد الزائرون أنفسهم تائهين بأوراق كتاب تحوّلت صفحاته إلى درر فنيّة باهرة. من النحت إلى الصور الفوتوغرافية، وصولاً إلى تقنية الترقيع والتلصيق، لتجد في هذا المعرض الكثير من الأعمال التي تحاكي 100 عام من النضال في سبيل الكلمة الحرة والمستقلة. من جهته، يروي ادغار مازجي، فنان تشكيلي مشارك في المعرض، تجربته بالحديث عن لوحته التي تحمل عنوان "دم على ورق.. حبر على ورق". اللوحة تمثل آلة كاتبة، بأعلام دول مؤثرة على سياسة لبنان الداخلية والخارجية بدلاً من شريط الحبر، دوّن أسفلها "حبر على ورق"، وآلة أخرى بعلم لبنان. وعبارة "دم على ورق" يقول إنها "للدلالة على تضحيات الصحافيين اللبنانيين في قول الحقيقة". ويشرح مازجي لوحته بأنّها "تدّل على صحافة الدول التي تتحكم بلبنان، والتي في الغالب تكون خالية من المصداقية ولديها دوافع خفيّة، في مقابل الصحافة المحلية التي شهدت تضحيات عدّة كانت الدماء عنوانها". المعرض الذي يتعمّق في علاقة الفنانيين بالكتابة والصحافة، وضع زواره في حالة من الذهول، بين معروضات لا تشبه بعضها أبداً رغم أنّها من الكتاب نفسه الذي يُعوّل عليه للمساهمة في تمويل مشروع إعادة ترميم هذا الصرح الثقافي الذي افتقده محبو المطالعة منذ عقود. ولأن للمرأة حضورها الدائم والمميز في العاصمة بيروت، تشدد مديرة قسم الفن والتصميم في الجامعة اللبنانية الأميركية، ياسمين نشابة طعان، على أنّها لم تجد أية صورة نسائية في الكتاب، فاقتبست منه إعلاناً عن حمرة الشفاه، لتضعها مع صورة فتاة صغيرة في العمر، وهي تدخّن السجائر، للدلالة على أنّ "للمرأة الحق والحرية بالقيام بما تريده، حتى لو كان مخالفاً لما ينتظره المجتمع منها". وتستنكر ياسمين التغييب الدائم للمرأة، بقولها "دون أدنى شك، كان هناك وجود نسائي في 100 عام من الصحافة، ولكن يتم حصر النساء في المجتمع العربي بالجمال فقط، وهذا ما أتحداه في أعمالي الفنيّة". أما لورا فرعون، فنانة تشكيلية مشاركة في المعرض، فتعيد كل ناظر للوحتها إلى الماضي الجميل، إذ أنّها جمعت صحف لبنانية قديمة مع وجوه أشباح سوداء، لتدّل على ما تم فقدانه بين الماضي واليوم، "إذ في الثمانينات كان لدينا عدداً كبيراً من الصحف، واليوم بات قليلاً وبعضها مهدداً بالإقفال". وتعود الداعوق للحديث هذه المرة للتأكيد على أنها لا تريد انتهاء المعرض، وإزالة هذه الأعمال التي تعلقت بها. وتعرب الداعوق عن فرحها من ردود الفعل تجاه هذه اللوحات المنوعة، فـ"هناك من جعل من الكتاب أرزةّ شامخة، ومن الفنانين ما جعله كاميرا رقمية، وغيرها من الأفكار". "قرن من الصحافة في لبنان"، كتاب طبعته المؤسسة اللبنانية للمكتبة الوطنية منذ ستة أعوام، تحول اليوم من كتاب غير قابل للتوزيع إلى معرض جامع للفنانين الذين أطلقوا إبداعاتهم، فحولوا الأوراق المعرّضة للتلف إلى قطع فنيّة ثمينةً. وبذلك، أنقذ الفن الكتاب، فكان بتصرفه.