باريس (أ ف ب) - بعد عام على مقتل 130 شخصا في اعتداءات باريس في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، زادت صلابة فرنسا التي شهدت منذ ذلك الوقت اعتداءات جهادية اخرى، فتم فرض حال الطوارئ واتخاذ تدابير امنية غير مسبوقة وبرزت توترات ازاء المسلمين. وكرر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مرارا ان فرنسا "يجب ألا تتخلى أبدا عن العيش كما نريد نحن"، في وقت تعيش البلاد حاليا في حالة من الحذر الدائم. وقالت كارول فلوران (51 عاما) وهي من سكان الضاحية الباريسية انه اصبح هناك المزيد من اليقظة. وتسببت المجزرة في قاعة باتاكلان للحفلات وداخل مقاه ومطاعم، بصدمة لدى الباريسيين. لكن الحياة عادت الى طبيعتها منذ ذلك الوقت، وإن كانت الذكرى باقية بقوة. وأعطى اعتداء نيس في 14 تموز/يوليو (86 قتيلا بينهم اطفال)، ومن ثم قتل كاهن كاثوليكي في بلدة صغيرة في شمال غرب البلاد في 26 تموز/يوليو، بعدا وطنيا للتهديد. وقالت كريستيان (75 عاما) التي نجت من هجوم بالشاحنة في مدينة نيس "أصبحنا ندرك الان أننا لم نعد بأمان في أي مكان". وكانت النتيجة المباشرة لاعتداءات 13 تشرين الثاني/نوفمبر، فرض حال الطوارئ التي لا تزال سارية، وهو أمر غير معهود منذ حرب استقلال الجزائر قبل ستين عاما. وسمح هذا الوضع الاستثنائي للسلطة الإدارية بتقييد الحريات من دون اللجوء الى المحاكم، وشمل ذلك عمليات دهم وفرض الاقامات الجبرية والتنصت ومراقبة مواقع حساسة. وتظهر الاجراءات المشددة في الشوارع ايضا حيث يتم تسيير دوريات لعناصر من الجيش مسلحين بشكل جيد. وتم ايضا نشر رجال شرطة على الشواطئ هذا الصيف، في حين تم إلغاء معارض وأحداث رياضية. وتراجع كثيرا عدد السياح. ووسط المخاوف من الاعتداءات، تم تعزيز الأمن قرب المدارس وأخضع التلاميذ لتمارين من اجل حماية أنفسهم. اما من هم أكبر سنا، فسمح لهم بالتدخين داخل المباني التعليمية من اجل الحد من خروجهم. وقال الطبيب النفسي للأطفال مارسيل روفو انه تم دمج الاولاد "في أسلوب حياة آمنة". وتم تشجيع الفرنسيين من كل الأعمار على الخضوع لدورات في الإسعافات الأولية، ولاقى ذلك نجاحا متزايدا. ومنذ بداية العام، تم تدريب زهاء 80 الف شخص على "خطوات منقذة" للحياة. - "التهدئة" - في موازاة ذلك، تصدعت صورة العيش المشترك. وانتهت مقولة "كلنا متحدون" التي لوح بها ملايين الفرنسيين خلال تجمع تاريخي أعقب الاعتداءات التي طاولت في كانون الثاني/يناير 2015 مجلة "شارلي ايبدو" الساخرة وعددا من افراد الشرطة ومتجرا يهوديا (17 قتيلا). وأظهر الجدل الكبير الذي أثير حول لباس البحر الاسلامي (بوركيني) أزمة هوية. وحظر عدد من رؤساء البلديات الواقعة على ساحل المتوسط هذا اللباس الذي يستخدمه عدد من النساء المسلمات، الا ان المحكمة عادت وألغت الحظر لاحقا. وتطور الخطاب العنصري خلال الاشهر اللاحقة، مع تطرف في الخطاب السياسي منذ بداية حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2017. وشكل الاسلام محور لجميع النقاشات. وعبرت الكاتبة الفرنسية من أصل مغربي ليلى سليماني الفائزة حديثا بجائزة "غونكور" المرموقة، عن حزنها متحدثة عن "عجز مطلق"، ووصفت بمرارة الجو الذي ساد وأشعر المسلمين بأنهم غرباء. في أيلول/سبتمبر، دعا رئيس الوزراء السابق آلان جوبيه الاوفر حظا للفوز في الانتخابات التمهيدية لليمين الفرنسي الى "تهدئة الجو"، قائلا ان "مجرد (لفظ) كلمة +مسلم+ يثير هستيريا مفرطة". واضاف "اذا استمرينا على هذا النحو فإننا نتجه نحو حرب أهلية". ويدافع الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرنسوا هولاند الذي باتت شعبيته في أدنى مستوياتها، عن القيم الديموقراطية ودولة القانون في وجه همجية الجهاديين. غير ان موضوع الهوية بات مطروحا بشكل كبير في نقاشات اليمين واليمين المتطرف. وفيما يثير تعريف العلمانية نقاشات لا نهاية لها، لا يزال التهديد بحصول اعتداءات قائما. في أيلول/سبتمبر، ساهم العثور على سيارة محملة بقوارير غاز، في الكشف عن شبكة من النساء تأتمر بتنظيم الدولة الاسلامية. وتم توقيف العديد من المراهقين الذين يشتبه في انهم كانوا ينوون تنفيذ هجمات بتأثير من جهادي فرنسي يقوم انطلاقا من سوريا والعراق بعمليات تجنيد من خلال خدمة البريد الالكتروني المشفر. وقال المؤرخ بنجامين ستورا انه رغم وجود موجة خوف غير مسبوقة وأشخاص يتحدثون عن كارثة حاصلة لا محالة، فإن "فرنسا لا تزال تمضي قدما".