شكّل فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية صدمة كبيرة في الشارع وبين النخب الفلسطينية بعد إدلائه بسلسلة تصريحات، أثناء الحملة الانتخابية، اتسمت بالعدائية تجاه الفلسطينيين والعرب والمسلمين، ومنها تعهده بنقل سفارة أميركا من تل أبيب إلى القدس المحتلة، واقتراحه بنقل الفلسطينيين إلى بورتيريكو وغيرها. وإن كانت التجارب السابقة بينت أن الرئيس في أميركا، بعد الانتخابات، يختلف عنه أثناء فترة الحملة الانتخابية، إلا أن كثيراً من المؤشرات يبين أن مكانة القضية الفلسطينية على الأجندة الأميركية والدولية ستشهد المزيد من التراجع في عهد ترامب. فمن جهة، فإن الرئيس الأميركي الجديد، حدد أولوياته بالوضع الاقتصادي الداخلي، ومواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية الخارجية من التنافس التجاري مع الصين إلى منطقة الباسفيك وصولاً إلى إيران والخليج العربي، إلى جانب التعهد بمواصلة دعم إسرائيل عسكرياً وسياسياً. ومن جهة ثانية، فإن جدارة الفلسطينيين على تقديم قضيتهم إلى العالم تراجعت نتيجة الانقسام بين «حماس» التي تسيطر على قطاع غزة، والسلطة الفلسطينية التي تسيطر على الضفة الغربية، وظهور خلافات داخلية في «فتح». وتوقع أستاذ العلوم السياسية الدكتور باسم الزبيدي أن ينأى الرئيس الأميركي الجديد بنفسه عن أي جهود لحل القضية الفلسطينية، وأن يعطي إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة سياستها الاستيطانية. وقال: «ترامب لا يبدي أي اهتمام بإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وجل تركيزه منصب على مصالح الولايات المتحدة التجارية وعلى داعش والعراق وسورية وإيران ودور روسيا». ونفض الفلسطينيون أيديهم من أي تدخل أميركي إيجابي لحل القضية الفلسطينية بعد فشل الرئيس باراك أوباما في تحقيق وعودة بوقف الاستيطان وإيجاد حل سياسي في فترة ولايته الأولى. ولم يتوقع أي فلسطيني أن تحمل له نتائج الانتخابات الحالية أخباراً جيدة، لكن الكثيرين توقعوا أخباراً أقل سوءاً، مثل فوز هيلاري كلينتون التي كانت ستتبع سياسة تشكل امتداداً لسياسة سلفها. ويتوقع مراقبون أن يتعرض الرئيس محمود عباس إلى ضغوط أميركية أكبر للعودة إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. وقال أستاذ العلوم السياسية الدكتور علي الجرباوي أن عباس سيكون عرضة لضغوط أميركية ربما تصل إلى بذل مساع لتغيير النظام السياسي، مذكراً بجهود أميركية في عهد الرئيس جورج بوش الابن لعزل الرئيس الراحل ياسر عرفات وتغييره. وأضاف: «إسرائيل جزء من السياسة الداخلية للولايات المتحدة وليس السياسة الخارجية، وبالتالي فإن مكانتها لدى الرئيس الأميركي، أياً يكن، تظل مكانة خاصة ليست خاضعة لأي اعتبارات خارجية». ويأمل الفلسطينيون في ألا ينفذ ترامب تعهداته بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وقال أستاذ العلوم السياسة الدكتور أحمد جميل عزم: «العلاقة الأميركية - الإسرائيلية محكومة بسلسلة من القواعد والقوانين والتعهدات المكتوبة، وليس من السهل تغييرها»، مشيراً إلى تعهدات مماثلة أطلقها الرئيس بوش الابن أثناء حملته الانتخابية، لكنه لم يتمكن من تنفيذها. وأضاف: «الهامش ضيق أمام أي رئيس أميركي لتغيير سياسة بلاده تجاه إسرائيل، فعلى سبيل المثال، كانت هناك توقعات كبيرة من الرئيس أوباما لكنها لم تحقق». ووجه الرئيس الفلسطيني أمس رسالة تهنئة إلى ترامب لمناسبة انتخابه رئيساً، معرباً عن أمله في تحقيق السلام العادل خلال ولايته. وقال عباس في رسالته: «باسمي وباسم دولة فلسطين وشعبها، أتقدم إليك بالتهاني القلبية لتوليك رئاسة الولايات المتحدة، متمنياً لك التوفيق والنجاح في المهام الجديدة الموكلة إليك، وداعياً الله تعالى أن يتحقق في عهدك السلام العادل والشامل في المنطقة والعالم أجمع». وقال الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة: «إننا سنتعامل مع أي رئيس ينتخبه الشعب الأميركي على قاعدة تحقيق السلام في الشرق الأوسط القائم على أساس حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين». وأضاف: «على الإدارة الأميركية أن تدرك أن تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة يأتي من خلال حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وفق الشرعية الدولية، الأمر الذي سيؤدي إلى القضاء على الفوضى والتطرف في العالم».