يلتف متعاملو الصرف الأجنبي بقلق حول شاشة التداول بأحد مصارف القاهرة استعدادا لأول معاملة لهم منذ قيام البنك المركزي بتحرير سعر صرف العملة المحلية. يتساءل أحدهم "هل نشارك؟" ويسأل آخر "أي سعر نعرض؟" يعيش المتعاملون حالة من الارتباك منذ قرار البنك المركزي في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) تعويم الجنيه المصري للمرة الأولى من أجل تعزيز القدرة التنافسية والحصول على قروض من صندوق النقد الدولي واستثمارات أجنبية. وبعد سنوات من استقاء الاتجاه من البنك المركزي سارعوا إلى محاولة العثور على أسعار لهم في أول أسبوع بعد التعويم بما أدى إلى اتساع فروق السعر وتذبذبات في الأسعار المعروضة وأحجام تداول هزيلة للغاية مع اختبارهم النظام بحذر. وفي وقت ما أمس الأول دارت أسعار الشراء والبيع للجنيه مقابل الدولار بين 16.65 إلى 17.35 بأحد المصارف و17.80 إلى 18.30 في مصرف آخر. وحتى الأسبوع الماضي كان السعر مربوطا عند نحو 8.8 جنيه للدولار. وقال متعامل عن غياب البنك المركزي "لسنا معتادين على ذلك. اعتدنا على التوجيه الأبوي وتحديد السعر .. لكن الأب ذهب ولم يعد"، وفقا لـ "رويترز". وسبق أن عرفت المصارف المصرية سعر صرف أكثر مرونة لكنها لم تشهد قط هذا المستوى من الحرية. فبين 2003 و2013 كان لدى مصر نظام تعويم محكوم سمح للبنك المركزي بالتدخل الكثيف في سوق العملة عن طريق مصرفين - بنك قناة السويس والبنك العربي الإفريقي الدولي - اضطلعا بدور صانع السوق. ومع تناقص الاحتياطيات الأجنبية بعد انتفاضة 2011 وما أعقبها من قلاقل أدت إلى عزوف السياح والمستثمرين الأجانب بدأ البنك المركزي يتدخل بدرجة أكبر للدفاع عن الجنيه في مواجهة الضغوط. ومنذ 2013 حتى الأسبوع الماضي أبقى البنك على الجنيه داخل نطاق ضيق مقابل الدولار مقننا المعروض الدولاري عن طريق عطاءات بيع دورية الأمر الذي أوجد نقصا حادا ودفع الشركات إلى تدبير العملة الصعبة من السوق السوداء. ويتذكر متعاملو المصارف أنهم لثلاث سنوات نادرا ما طالعوا صفحات الأسعار على شاشات التداول التي كانت مستقرة معظم الوقت. وانتقلت التداولات إلى سوق سوداء مزدهرة في العملة الصعبة حيث كانت الأسعار تتغير من ساعة لأخرى. لكن مع فتح الأسواق يوم الأحد - أول يوم تداول بعد التعويم - تسمر المتعاملون أمام شاشاتهم ليراقبوا التغير المستمر في أسعار البيع والشراء المعروضة. وقال مصرفي في مصرف خاص طلب مثل نظرائه عدم نشر اسمه نظرا للحساسيات التجارية "يوجد ارتباك بالتأكيد وهو ما يظهر في السعر". وتحتد المنافسة بين المصارف الراغبة في جمع الدولارات مع تراجع الجنيه إلى مستويات رخيصة بما يكفي لجذب العملة الصعبة إلى سوق ما بين المصارف. وتقرر أن تعمل المصارف حتى التاسعة مساء لمحاولة تشجيع المصريين على بيع دولاراتهم في حين لجأ كثيرون إلى السوق السوداء السابقة لمحاولة تلبية حاجاتهم من العملة الصعبة بما أعاد السيولة إلى النظام المصرفي الرسمي. وقال متعامل "المصارف تعمل مثل السوق السوداء.. يتنافسون في رفع الأسعار وسرقة العملاء بعضهم من بعض عن طريق عرض أسعار أعلى لشراء الدولار. ولت أيام العمل التي كانت تبدأ في التاسعة صباحا وتنتهي في فترة ما بعد الظهر وأصبح المتعاملون يداومون إلى الليل لتدبير العملة الصعبة لعملاء عطشى للدولار". وقال متعامل في مصرف خاص "السعر يصنعه العرض والطلب حتى نصل إلى توازن... إعطاء توجيه إرشادي ليس منطقيا على الإطلاق". لكن حالة عدم التيقن قد تعني أن يستغرق الأمر أشهرا حتى تعمل سوق ما بين المصارف بشكل كامل وحتى يستقر الجنيه. وقال المصرفيون إنه لا يوجد اتفاق على السعر الذي قد يستقر الجنيه عنده ويرى البعض إنه قد يسجل 20 جنيها للدولار. ويثير ذلك تكهنات بأن البنك المركزي قد يتدخل مستخدما المصارف المملوكة للدولة لضخ الدولار فور تسلم الشريحة الأولى البالغة 2.75 مليار دولار من قرض صندوق النقد الدولي. وتتوقع السلطات تسلم تلك الأموال الأسبوع المقبل في إطار حزمة إقراض قيمتها 12 مليار دولار يأملون أن تحول دون أزمة اقتصادية وأن توقف تراجع العملة. ويقول أبو بكر إمام مدير الأبحاث في شركة برايم القابضة المالية "ما دام هناك نقص في الدولار فسيواصلون رفع الأسعار مثلما كانت السوق السوداء تفعل لأنهم يريدون امتصاص السيولة الدولارية .. لدينا أزمة في السيولة والبنك المركزي قادر على حلها".