«الحاجة أم الاختراع» مقولة تجد في حلب التي تحاصرها قوات بشار الأسد خير ترجمة عملية لها. ففي ظل الحصار الخانق يتفنن سكان أحياء حلب الشرقية في ابتكار أساليب وأدوات لتأمين حاجاتهم، فيصنعون التبغ من أوراق الشجر، ويزرعون الخضار على أسطح منازلهم، وينتجون الكهرباء بالدراجات الهوائية. خالد كردية، 25 عامًا، يجلس على كرسي من جلد بني اللون أمام محله لتوزيع الإنترنت في حي كرم الجبل، ويلخص ما يعانيه سكان الأحياء الشرقية الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة بالقول لوكالة الصحافة الفرنسية: «اضطررنا إلى العودة للعصور الحجرية». وعمد السكان إلى ابتكار الأفكار ووسائل الاستمرار للتأقلم مع الحصار. فمن أجل تعويض النقص في جرار الغاز، ابتكر خالد كردية «تنكة زيت» للطهي عليها وتسخين الشاي والقهوة. ويقوم بجمع الخشب في حي كرم الجبل ويضعه في «تنكة زيت مستعملة أحضرها من القمامة». وفي ظل النقص الدائم في الوقود واقتصار التيار الكهربائي الذي تنتجه المولدات على ثلاث ساعات فقط في بعض الأحياء، بدأ سكان حلب باستخراج المازوت من البلاستيك لاستخدامه في المولدات الكهربائية. أما أبو رحمو، 48 عامًا، فبدلا من استخدام الوقود المصنع يدويًا، اختار أن يشحن البطاريات باستخدام الدراجات الهوائية. ويعمل أبو رحمو ميكانيكيا للسيارات في حي الأنصاري، وداخل ورشته الصغيرة يقوم الرجل الأربعيني بتلحيم مولد كهربائي صغير (دينامو) بدراجة هوائية ويصله من بعدها ببطارية صغيرة تستخدم في المنازل. وتتيح البطاريات المنزلية تشغيل لمبات صغيرة الحجم أو حتى غسالة إذا لزم الأمر. وفي حي الكلاسة القريب، يفتح أمير سندة باب منزله الحديدي ليجد دجاجته الصغيرة في انتظاره، يقوم بإطعامها قبل أن يصعد إلى سطح منزله، حيث زرع ما تيسر له من بذور. ووضع أمير عشرات العلب المصنعة من الفلين الأبيض اللون، ملأها بالتراب واعتنى بها لتنبت فيها الخضار. ويقول: «لقد نبت عندي حاليًا البقدونس والفجل وقريبًا سوف ينمو السبانخ والسلق».