×
محافظة المنطقة الشرقية

ماذا تفعل هذه السيارة في طرقات السعودية؟

صورة الخبر

أثبتت سناء جميل أنها «كبيرة الموهبة»، وأن لديها قدرة فائقة على «التشخيص» والخروج من اللحظة للدخول في أخرى بحرفية عالية ومستويات عدة من التألق، فواصلت النجاح مسرحياً، واقتنصت مكانتها المتميزة في الدراما التلفزيونية. في هذه الحلقة نسرد آخر حكايات «زهرة الصبار» ابنة الصعيد... عاشقة الفن. لم تكن سناء جميل المولودة فنياً على يديّ الرائد زكي طليمات في مطلع الخمسينيات، مجرد فتاة صعيدية فقدت والديها وتحدّت شقيقها لتدرس التمثيل، وتحملت في سبيل ذلك كثيراً من المعاناة قبل أن تقتحم عالم الاحتراف وتنجح في التفرّد كحالة فنية لها خصوصيتها وبصمتها المميزة في الأداء والتشخيص، مهما تنوعت الأنماط، واختلفت بيئات شخصياتها الدرامية. ورغم ما شهده عقد السبعينيات من تحوّل في طبيعة النشاط الفني عموماً، والمسرحي في معظمه، فتحولت عروض فنية كثيرة إلى سلعة تُباع وتُحدد مواصفاتها لمن يدفع أكثر، كذلك الحال في السينما التي اهتزّت أيضاً وراحت تبتعد عن القضايا الحيوية، وتشجب الماضي لصالح الحاضر. إلا أن سناء كعادتها نجحت في إيجاد صيغة للحضور على الساحة وسط هذا المناخ المرتبك، ومن دون تنازلات. عام 1971 قدّمت مسرحية «نور الظلام» لفرقة مسرح الحكيم عن نص لرشاد رشدي ومن إخراج حمدي غيث. أثار العرض ضجة نقدية وفنية آنذاك بسبب سوداوية مضمونه، كما أشار د. حسن عطية في كتابه عن الراحلة الذي صدر في إطار تكريمها من المهرجان القومي للسينما المصرية (مهرجان الأفلام الروائية آنذاك) عام 1998. بعده عادت سناء إلى فرقة «المسرح القومي» بعد سنوات من الغياب بعرض «وشم الأسد»، عن نص لتنيسي ويليامز أخرجه حمدي غيث عام 1973 وأعدّه عزت الأمير. قدمت خلاله شخصيات متباينة عدة، منفصلة عن مجتمعها ومتأرجحة بين العقل والجنون. ثم غابت عن المسرح خمس سنوات أخرى لتعود من خلال مسرحية «رقصة الموت» من إعداد مارغريت دوراس عن نص لسترندبرغ من إخراج الفرنسي جان بيير لاروى، وشاركها البطولة كل من الفنان جميل راتب، والممثل الفرنسي كلود مان. عرضت هذه المسرحية في مدن فرنسية عدة عام 1977، لكنها وُئدت (على حد توصيف د. حسن عطية) في القاهرة، حيث خصصت لها قاعة صغيرة ومن دون دعاية تقريباً، فلم يستمر عرضها طويلاً. أما في السنوات الأربع الأخيرة من السبعينيات، فقدمت سناء أفلاماً سينمائية متباينة الرؤى والمحتويات والشكل الفني. شاركت في «توحيدة» عام 1976 للمخرج حسام الدين مصطفى عن قصة «فاني» الشهيرة لمارسيل بانيول أعدّه سينمائياً أديب نوبل نجيب محفوظ، وكتب له السيناريو والحوار صبري عزت. وعام 1978 قدّمت «امرأة قتلها الحب»عن قصة وسيناريو عبد الحي أديب وحواره، ومن إخراج أحمد ياسين. ثم كان «الشك يا حبيبي» الذي شاركت في بطولته كضيفة شرف مع كل من شادية ويحيى شاهين، إذ لم تستطع أن ترفض طلباً للمخرج هنري بركات، والفيلم كتب له السيناريو والحوار سمير عبد العظيم، وعرض عام 1979. المُهر على مدى مشوارها الفني الطويل، كان أحد أسباب تألقها وتميزها، بخلاف عمق الموهبة، قدرتها على اختيار نص متميز يمنحها القدرة على إبراز الكامن من موهبتها. تقول سناء: «الكلمة نور، وكثير من الأعمال تكون خالية من نور الصدق وعليه أرفضها. أهم أمر للممثل الصدق. والمسألة ليست مجرد كلام نردده ولكن نصدقه، ونشعر به، ونؤمن به فيخرج منا تلقائياً، ويصل إلى جمهورنا بالقدر نفسه من الصدق». تواصل: «أعشق التمثيل وأراه «كماً من الصدق المحكم»، والفنان يتحوّل بصدقه إلى نور، لذا لم أكن أقبل إلا النص الذي أصدقه. لم يهمني عدد المشاهد قدر ما شغلني صدقها، وكنت أسأل نفسي: هل حركت مشاعري أم لا؟». عام 1980 اختارت جميل أن تعود إلى جمهورها على مسرح الطليعة وهي تمتطي فرساً أصيلة، من خلال «المنودراما» المسرحية «الحصان» التي كتبها كرم النجار وأخرجها أحمد زكي. جسدت شخصية د. أميمة القناوي البورجوازية المثقفة القادمة من صعيد مصر لتعتلي بجهدها ومثابرتها المناصب العليا الرفيعة، نموذج للمثقف المتعلم الذي أقنعوه بحيادية العلم والثقافة، على حد توصيف د. حسن عطية، فانعزل داخل ذاته ومشاكله، من ثم عجز عن مواجهة العالم المحيط به بعقلانية واعية. الثابت أن هذا العمل نجح في استقطاب «إشادات» نقدية عدة تناولته بالاستحسان، وعبرت مجدداً عن قدرة هذه الفنانة على تفهم أبعاد الشخصية التي اختارتها بعناية لتجسدها بحرفية عالية، وكأنها كانت تدرك أن هذا العمل هو «مسك الختام»، الذي تذيل به مشوارها المسرحي. كتب مفيد فوزي في مجلة «صباح الخير»: «لأن سناء جميل فنانة ملتزمة تؤمن بأن المسرح كلمة، اختارت نصاً يحرك في الروح الأسئلة كافة الباحثة بإلحاح عن إجابات. اختارت نصاً يقطر متعة ذهنية، ولأنها سناء جميل فهي الوحيدة القادرة على أن تعزف عزفاً منفرداً بهذه الطلاوة وتقول كلمتها وتمضي قبل أن تفتح حواراً في رؤوسنا نناقش فيه أنفسنا. امتطت حصان المواجهة وراحت تركض، صارحتنا بازدواجيتنا وواجهتنا بعجزنا وتركتنا نبحث عن حل». بعد «الحصان»، غابت سناء عن الساحة المسرحية قهراً لا اختياراً، فالزمن لم يعد زمن المسرح الجميل والنصوص الجيدة، خصوصاً بعدما ساءت حالتها الصحية وأبعدها المرض عن أبي الفنون وعشقها الأول، فلم تظهر إلا كالطيف العابر في شخصية «كلارا» العجوز العائدة للانتقام من خلال مسرحية «زيارة السيدة العجوز» للكاتب العالمي فريديريش دورينمات التي أخرجها الفنان محمد صبحي وعرضت لمدة ستة أيام فقط على مسرح دار الأوبرا المصرية عام 1992، لتنتهي بعدها علاقتها بالمسرح وإلى الأبد. تقول سناء: «لم يكن قرار الابتعاد عن المسرح «اختيارياً»، ولكني أجبرت على قبوله بعدما منعني الطبيب من الوقوف على خشبته لما في ذلك من خطورة على حالتي الصحية، فالفنان لا بد من أن يكون في كامل لياقته البدنية والصحية، وعندما يواجه المرض وهو على خشبة المسرح يتحامل على نفسه ويكمل العرض على عكس السينما والتلفزيون حيث يمكن تأجيل مشاهده إلى أن يتماثل إلى الشفاء، وعليه أجبرت قهراً على الابتعاد عن المسرح الذي كنت وسأظّل أعشقه وفخورة بمشواري فيه. اختيارات تألق سناء مسرحياً من خلال «الحصان» وضعها بقوة على قائمة الترشيحات لأكثر من عمل فني، غير أنها قررت مجدداً أن تفاجئ جمهورها باختيار يحلق بعيداً عن المألوف، ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها «خارج التنميط» أو أية محاولات لحصار موهبتها في مكان واحد. عليه اختارت أن تطلّ على جمهورها عام 1980 في المسلسل الكوميدي «عيون»، الذي كتبه الراحل بهجت قمر وأخرجه إبراهيم الشقنقيري، وشاركها بطولته الفنان فؤاد المهندس مع مجموعة من الوجوه الجديدة آنذاك من بينهم يونس شلبي، والمنتصر بالله وشيرين. جسدت فيه شخصية الدكتورة رأفت زوجة المحامي الشهير، والتي تبدو لمن يراها امرأة شديدة القسوة متزمتة، وتقليدية جداً، ما يفجر مواقف كوميدية عدة أدتها الراحلة بحرفية عالية لتضيف إلى رصيدها نموذجاً جديداً من الإبداعات المتميزة. عن هذا العمل تحكي الفنانة شيرين قائلة: «لم يكن «عيون» أول لقاء يجمعني بالراحلة، بل سبقه مسلسل «عيون الحب» مع الفنان الراحل كمال الشناوي والفنانة المعتزلة هناء ثروت. أديت خلاله دور ابنة سناء جميل. جسدت الراحلة دور أم أصيبت بالشلل بسبب حادث سيارة تسبب فيه زوجها الأستاذ الجامعي الذي يتورط في حب تلميذته. ولما كانت غالبية المشاهد تجمعنا سوياً فتوطدت علاقتي بها وكانت فعلاً تعاملني كابنتها وتلميذتها، لدرجة أنها سمحت لي بأن أناديها «ماما» رغم أنه كان معروفاً عنها رفضها ذلك دوماً. وعندما عرض عليها مسلسل «عيون» مع الفنان فؤاد المهندس رشحتني مجدداً لدور ابنتها، وتوطدت علاقتنا أكثر وانعكست إيجاباً على العمل، الذي حقق حينها نجاحاً مدوياً». كالعادة، لم تفلح سناء في استثمار النجاح الذي حققته مع الدكتورة رأفت في «عيون» فغابت قهراً مجدداً، حتى نجح في استعادتها المخرج أشرف فهمي لتؤدي أحد أهم أدوارها في «المجهول»، رؤية سينمائية كتبها مصطفى محرم عن مسرحية «سوء تفاهم» لألبير كامو. جسدت سناء دور مطلقة تهاجر إلى كندا وتنجح في امتلاك فندق تديره مع ابنتها (نجلاء فتحي)، وتستعين بشخص أبكم وأصم يساعدها على إتمام جرائمها (أدى دوره باقتدار عادل أدهم). تخدّر صاحبة الفندق زبائنها وتلقيهم في البحيرة بعد سرقتهم. غير أن القدر يضربها في مقتل والسهم نفسه، فابنها الذي تركته طفلاً قبل انفصالها عن والده وسفرها، كان أحد نزلاء فندقها حيث حضر لها باسم مستعار رغبة منه في التعرف إلى والدته وشقيقته وتفهم أسباب انفصالها عن والده، وعندما تكتشف ما فعلته بيديها تلقي بنفسها في البحيرة. لاحقاً شاركت سناء جميل في أعمال عدة «متواضعة فنياً» حتى على مستوى أدوارها، وفي مقدمها «ملائكة الشوارع الخلفية» مع المخرج حسن الصيفي، ثم «نساء خلف القضبان» للمخرجة نادية حمزة، ويبدو أنها شاركت فيه دعماً للمرأة المخرجة، ثم شاركت في «الخرتيت» مع المخرج أحمد السبعاوي. عام 1987، أنقذها من عثراتها الفنية الراحل عاطف الطيب بفيلمه «البدرون» الذي كتب له القصة والسيناريو والحوار عبد الحي أديب، ونجحت من خلالها في استعادة بعضاً من وهجها وتألقها بعد فترات من الخفوت. عودة التألق الشخصية الدرامية التي تعيش دوماً في ذاكرة الجماهير ووجدانهم لا تتحقق كثيراً في عمر الفنان، إلا أن القدر كان كريماً مع «زهرة الصبار»، ملكة الإحساس سناء جميل، وكتب لها أن تختتم الثمانينيات بعمل كان وما زال يحقّق نجاحاً كلما عرض، وهو «الرايا البيضا» للثنائي المبدع محمد فاضل وأسامة أنور عكاشة. جسدت من خلاله دور حياتها المعلمة فضة المعداوي، أفضل شخصية درامية نسجها عكاشة باقتدار، حتى أنه اعترف يوماً بأنها الأكثر قرباً إلى قلبه وعقله بين كل ما أبدع. يقول: «أية شخصية تجسدها سناء لا بد من أن تكون مفتونة بها، لذا كنت حريصاً على أن يتضمّن تاريخي الفني عملاً يحمل توقيعها، وعليه كان «الرايا البيضا» الذي كنت واثقاً من حماسة سناء لقبوله، وهو ما حدث فعلاً. غير أن ما منحته سناء للشخصية من حياة وروح فاق كل توقعاتي وتصوراتي وأنا أنسج خيوطها على الورق، فهي أضفت عليها تألقاً خاصاً». يواصل: «عندما سافرنا إلى الأردن لتصوير العمل هناك، اقتربت منها إنسانياً، وشاهدت كيف تتعامل مع «شغلها»، إذ كانت تبدو في أحيان كثيرة كما لو كانت «مجنونة» به، تدقق في كل تفصيل. ومن وحي عبقريتها وعلى غير عادتي في إضافة مشاهد إلى عمل انتهيت من كتابته، كتبت مشهد ذهابها إلى فيللا أبي الغار (جميل راتب) تعترف فيه بحبها له، وما زلت أذكر كيف كانت «ترقص» وهي تقرأه، وكيف كانت تعيده مراراً ثم تعلو ضحكاتها وهي تقول «الجملة دي مش معقولة»، ويوم التصوير كانت مستعدة له تماماً وقدمت مشهداً جباراً». وتحكي سناء عن «فضة» قائلة: «كنت كلما شاهدت فضة المعداوي على الشاشة أتعجب من بعض حركاتها أو طريقة مشيتها وكلامها، وأسأل نفسي كيف استطعت تجسيدها على هذا النحو، فهي لا تمتّ إلي بصلة. ولكن من خلال قراءتي السيناريو وتعمقي في الشخصية التي أبدعها عكاشة فجرت الطاقة الكامنة في داخلي». أما لويس جريس فيقول: «تحملت من المعلمة فضة ما لم يستطع جميل راتب تحمله منها أمام الكاميرا، إذ ظلت متعايشة معها لفترة طويلة، لدرجة أنني كنت أتعجب كيف بزوجتي دمثة الخلق أن تتصرف بهذه العدائية، أين ومتى اختفت اللغة الفرنسية التي كانت مفرداتها رفيقة حياتنا اليومية، أمام السوقية والابتذال؟ ما تسبب في كثير من المواقف المحرجة». بعد «قنبلة» فضة توهّم البعض أن سناء لن تتمكّن من تقديم عمل آخر يستحوذ على إعجاب جمهورها، غير أن القدر كان كثير الكرم معها مجدداً فعادت إلى الشاشة الصغيرة مع الكاتب الساخر يوسف عوف ومسلسل «ساكن قصادي» الذي أجبر نجاحه على تقديم أجزاء عدة أخرى. قبل سنوات قليلة من رحيلها وصلت ما انقطع في مشوارها السينمائي، فشاركت الأسمر أحمد زكي فيلمين اقتنصا مكانتهما المميزة على الخريطة الفنية، الأول «سواق الهانم» حيث أعربت عن رغبتها في العمل مع أحمد زكي لإعجابها بموهبته، فما كان منه إلا أن طار فرحاً وراح «يبحث» عن عمل يجمعه بالموهوبة سناء جميل، ثم تكرر التعاون في «اضحك الصورة تطلع حلوة» مع شريف عرفة مخرجاً ووحيد حامد مؤلفاً، وبمشاركة وجوه شابة تصدرت الملصق لاحقاً، لا سيما منى زكي وكريم عبد العزيز. كانت «زهرة الصبار» دوماً متمسكة بالحياة، لا تعترف بالمرض أبداً، وقبل رحيلها بأيام كانت تستعد لتجسيد دورها في مسلسل «أبيض في أبيض» مع الفنان ممدوح عبد العليم، إلا أنها دخلت في غيبوبة استمرت ثلاثة أيام فارقت بعدها الحياة لإصابتها بسرطان الرئة واكتشافه في مرحلة متأخرة جداً. حاصدة الجوائز حصدت سناء جميل خلال مشوارها الفني كثيراً من التكريمات. عام 1969، منحها الرئيس جمال عبد الناصر وسام العلوم والفنون، وعام 1976 قلّدها الرئيس السادات وسام الفنون. كذلك حصدت جوائز عدة في مقدمها جائزة مهرجان موسكو عن دورها في فيلم «بداية ونهاية». الطريف أن صدق أدائها كاد يحرمها من التكريم في مهرجان المركز الكاثوليكي، إذ رشحت للتكريم عن مجمل أعمالها، ولكن الأب يوسف مظلوم اعترض بسبب دورها في فيلم «سواق الهانم» لأنها جسدت شخصية زوجة تقسو على زوجها وأولادها، ما يتناقض ورسالة المهرجان في دعمه الأعمال الفنية التي تحمل رسالة أخلاقية، ويتميّز أبطاله بالسلوك السليم، على عكس الشخصية التي جسدتها. إلا أن الناقد طارق الشناوي، أحد أعضاء لجنة التحكيم في هذه الدورة، نجح في إقناع اللجنة بأن الفيلم يشجب هذا السلوك، ولو لم تبرع جميل في أداء دورها ما كان من الممكن أن نكره الغرور والصلف في شخصية الزوجة».