المرحلة التي نعيشها اليوم مرحلة مراهنات، ومجاذبات، وتحديات، وصراعات، وتربيطات دولية وإقليمية عالية المستوى، سرية وعلى المكشوف، يستخدم فيها الساسة وراسمو الاستراتيجيات الوطنية كل الوسائل المتاحة والممكنة بطريقة شرعية وغير شرعية، سعياً وراء مصالح بلادهم الداخلية وربما الشخصية الصرفة، حتى ولو على حساب التاريخ واللغة والدين، بل الشعب - الذي يتكلمون باسمه - أحيانا، والمملكة العربية السعودية وضعتها الظروف العالمية في قلب الحدث، خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر الذي أضحى يوماً مفصلياً في تاريخ الكرة الأرضية المعاصر. ولأن المملكة العربية السعودية: * بلاد الحرمين الشريفين، ومهبط الوحي، وفيها القبلة التي يتوجه لها المسلم أينما كان، مما يكسبها تعاطف الشعوب المسلمة ووقوفها معها في أي حدث يراد منه النيل من أمنها واستقلالها، كما هو صائر اليوم في كثير من بلاد المسلمين، بل البلاد الغربية والشرقية، جراء تهديد الحوثيين لمكة المكرمة بإرسال صاروخ سكود تجاه الكعبة المشرفة!!! * تطبق شرع الله عزّ وجل، وتعلن حمايتها لحقوق المسلمين والدفاع عنهم. * يعيش على ثرى تراب أرضها الطاهر أناس جاءوا طلباً للقمة العيش وبحثاً عن الرزق الحلال، تركوا من خلفهم ذريتهم الذين يعتقدون أن هذه البلاد هي بلد الخير والبركات التي دعا لها الخليل إبراهيم فاستجاب الله دعاه، والأوفياء منهم- وهم كثر ولله الحمد والمنة- يعترفون بلسان الحال والمقال بأن ما هم فيه من حال هو بفضل الله عز وجل ثم بفضل هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية . لذلك كله فإنني أعتقد أن من المناسب أن يتوجه الخطاب السعودي على يد الكتّاب والمثقفين ومنظّري السياسة والاقتصاديين والمفكرين والإعلاميين في هذه الأيام إلى الشعوب، في الوقت الذي يحافظ فيه أصحاب الشأن الخارجي/ الدبلوماسي على مباحثاتهم الثنائية واتصالاتهم الرسمية والشخصية مع الساسة وصناع القرار وأصحاب النفوذ والمستشارين حسب ما تمليه المصلحة وتفرضه ظروف المرحلة، فالعاطفة الدينية - لدى شرائح عريضة من الشعب في بلادنا العربية - قوية ومؤثرة، وحبهم لهذه البلاد المملكة العربية السعودية ورغبتهم في القدوم إليها لنيل شرف أداء مناسك العمرة وزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنية تداعب خيالهم، وتتراقص في أذهانهم صباح مساء. لقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تكسب ولاء الشعوب العربية والإسلامية من خلال تسويق الديمقراطية عبر خطاب تشويقي استشرافي واعد، وفشل الخطاب في عدد من بلادنا العربية للممانعة الشعبية القوية ضد كل ما هو غربي، وللتناقض الفاضح بين القول والفعل، وبقيت الساحة مفتوحة لكل الاحتمالات، وهذه هي البيئة المناسبة - في نظري - للخطاب السعودي/ السلفي الذي من خلاله نضمن- ولو نسبياً- ولاء الشعوب وقدرتها إذا جاءت ساعة الصفر – لا سمح الله - الضغط على حكوماتها من أجل المشاركة الفعلية في الوقوف مع المملكة العربية السعودية صفاً واحداً أمام أي تهديد أو هجوم متوقع. المهم في هذا أن يكون لنا خطاب سعودي واحد ، وأن توجد هيئة مصطفاة تتولى صياغة هذا الخطاب الذي يجب أن يكون مناسباً للمرحلة، محدد المعالم ، والماهية ، والمكونات ، والآليات التي يتم بها إيصاله وتبليغه، وتقرأ الهيئة المنتخبة ردود الفعل واتجاهات الآراء وما إلى ذلك، وهذه وتلك ليست من المهام السهلة الميسرة، بل إن لها في الغرب مراكز وخبراء يسوقون هويتهم السياسية ويشوهوننا في الوقت ذاته بجميع اللغات وعلى كافة الأصعدة وعند مختلف الفئات والطوائف والأجناس والجنسيات للأسف الشديد، ولكن {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ}، وإلى لقاء والسلام .