صناعة القرار في الجزائر: تخدم فريقا في السلطة وتتعارض مع المناخ العام جدل كبير تعيش على وقعه الساحة السياسية والشعبية في الجزائر يتركّز حول حقيقة ما تردد عن مطالب لترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي يعاني من متاعب صحية، لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات المرتقبة العام 2019، وسط تساؤلات عمن يصنع القرار السياسي في الجزائر وعلاقة مطالب الولاية الخامسة بالتغييرات الكبرى التي أجراها الرئيس بوتفليقة وفريقه وطالت مناصب هامة في الدولة التي تتجه إلى أزمة يتوقع أن تبلغ ذروتها قبل نهاية السنة الحالية . العربخالد عمر بن ققة [نُشرفي2016/11/07، العدد: 10448، ص(6)] مطالب تحرير من نوع آخر للجزائر بعد التغييرات التي أحدثها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة خلال هذه السنة، والتي شملت مواقع كانت محظورة وقيادات أمنية وعسكرية وإدارية فاعلة ومؤثرة، جاء الدور على تغيير الأمين العام لجبهة التحرير الوطني عمار سعيدان. ويأتي التغيير بما يخدم الهدف العام لفريق الرئيس أو الذي يتحكم في مصير الرئيس، وبالتالي في القرارات المصيرية للدولة الجزائرية. ولكن الملفت اليوم لم يعد حول استقالة سعيدان ـ بغض النظر عن دوره ومهامه وتوظيفه وطموحاته، فهو بالنهاية شخصية مشاغبة وطارحة لخطاب تغييري ـ وإنما في النتائج المترتبة عنها. ومن بين تلك النتائج التأكيد على أن هناك فريقا منتصرا ولأجل تحقيق هذا الانتصار استعمل كل الوسائل ومنها، التحالف مع جماعة الفساد، وإيجاد فريق موال للنظام على حساب المصالح العليا للدولة، وتكريس الجهوية والمناطقية في السلطة بطريقة مُمَاثَلة لَما تقوم به القبيلة في دول عربية أخرى، وإيجاد تكتلات داخل الرئاسة والجيش وأجهزة الأمن وأحزاب السلطة وحتى الأحزاب المعارضة. وهنا يطرح السؤال المؤرّق لكل الجزائريين، وهو من يصنع القرار السياسي في الجزائر مادامت الدولة تتجه إلى أزمة حقيقية مقبلة (بعض المصادر ترى أنها ستبلغ ذروتها قبل نهاية السنة الحالية) ستؤدي إلى تغييرات واسعة في ميزان القوة داخل النظام الجزائري؟ للسؤال السابق إجابتان الأولى، إجابة رسمية وسياسية (مشتركة بين الموالاة والمعارضة) أي أنها خاصة بمن هُمْ في الحكم ومن هم خارجه، ناهيك عن القيادات البارزة في المؤسسات الهامة ومنها الجيش والأمن. أحزاب المعارضة تريد أن تكون شريكا فاعلا في السلطة مع أنها تدعي أن النظام الحاكم غير شرعي ومتحالف مع الفساد أما الإجابة الثانية فهي شعبية وتستند إلى سلطة موازية يفرضها الشعب، وهو فاقد للثقة تماما في النظام الحاكم اليوم لدرجة أنه يفكر في حل المشكلات اليومية بما فيها القضايا الكبرى بعيدا عن سلطة الدولة ومنها احتمالات التدخل الأجنبي في الجزائر مستقبلا. وبالنسبة للإجابة الرسمية الخاصة بصناعة القرار فهي لدى الموالين للسلطة وتقدم الرئيس بوتفليقة باعتباره الصانع الأوحد للقرارات، ولكن الكل يعرف أنه بسبب المرض عاجز عن اتَّخاذ أيّ قرار من الناحية العمليّة، وأن القرارات تصدر من فريقه (المتكون من قرابة الدم، أخوه السعيد مثلا، أبناء منطقته وما أكثرهم في مؤسسات الدول اليوم، جماعات المصالح، المظهرون للولاء في انتظار اللحظة المناسبة) وهذا تعرفه أحزاب المعارضة لكنها لا تجاهر به لحساباتها الخاصة، ما يعني تحالفها الضمني مع السلطة، لأنها لا تقدم نفسها بديلا لإنقاذ البلاد، وإنما تريد أن تكون شريكا فاعلا في السلطة، مع أنها تدَّعي أن النظام الحاكم غير شرعي ومتحالف مع جماعات الفساد. عرف الرئيس بوتفليقة من خلال تجربته في الحكم كيف يجعل الرقاب تدين له بالولاء، وقد تمكن من بسط سلطته بإلغاء المكاسب الديمقراطية التي حققها الرئيس اليمين زروال، من ذلك تمديد سلطته لفترة رئاسية ثالثة من خلال تعديل الدستور بما يخدم وجوده في الحكم، وجعل كل الذين في السلطة يدافعون عن ترشيحه لفترة رابعة رغم عجزه عن أداء مهامه، وهو اليوم مستمر في طريق الغي هذا بدعم من لوبي المصالح داخل أجهزة الدولة أولا، وبتطويعه للجيش بعد أن أظهر تأييده لقيادة الأركان على حساب المؤسسة الأمنية ثانيا. شعب منسحب توقَّعت أطراف كثيرة أن يكون ذلك لصالح البلاد، لكن البعض من المؤشرات توحي بإشغال الجيش بقضايا جانبية ستصحب بتغيير واسع، قد يشمل تغيير الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني أو تعيينه وزيرا للدفاع لتتم إحالته على التقاعد في فترة لاحقة، أي أن تكون قيادة الأركان تحت إشراف الفريق الموالي لجماعة بوتفليقة سواء بحضوره أو بغيابه المنتظر، وبذلك لن يكون هناك أيّ منازع للفريق الذي لم يتمكّن بعد من فرض سلطته المطلقة. أما بالنسبة إلى الإجابة الشعبية لمسألة صناعة القرار في الجزائر فإنها تبرز من خلال الأفعال لجهة رفض قرارات الحكومة والبحث عن بدائل، فغالبية الشعب الجزائري اليوم منسحِبة، ومُتفرِّجة على ما يحدث، وهي تدوس على جمر أخطاء السلطة بصبر، خوفا من جهنم الإرهاب، في محاولة منها لتجنب ما حدث ويحدث في دول عربية أخرى، وهي تدرك تماما أن هناك صراعا شديدا داخل أروقة الحكم، خاصة بعد الاتهامات التي وُجَّهت علنا من مسؤولين إلى جنرالات في الأمن والجيش، وأيضا بعد طرح خطاب الكراهية وتصفية الحسابات بين المسؤولين علانية، ومحاولة إدخال الشعب طرفا فيها، في سابقة لم تحدث في الجزائر إلا بعد ظهور ما يعرف بمفهوم التعددية في العام 1990. صناعة القرار في الجزائر اليوم محكومة بالتغيرات المنتظرة وأنها في ظاهرها من نتاج الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة نفسه وهناك من الشواهد ما يؤكد على أن غالبية الشعب غير متفاعلة مع القرارات السياسية، من ذلك مثلا: غياب التفاعل الإيجابي مع مواقف الحكومة، والسعي إلى تحقيق المطالب الاجتماعية من خلال العلاقات والرشوة والمحسوبية، وحل كل المشكلات الاجتماعية من خلال تصعيد المواجهة مع السلطات، ودعوة الجيش إلى التدخل في أي فوضى أو أحداث مثل تلك التي وقعت في غرداية، واللجوء إلى الإضرابات في المصانع والجامعات والمدارس، والعمل على نهب الثروة الوطنية من خلال تقديم مشاريع وهمية في محاولة شعبية لتقليد كبار المسؤولين، وقيام الإدارات ـ ميدانيا ـ من خلال العاملين على تعطيل معظم المشاريع لتحريك الشارع. تطويع قيادة الأركان على النحو السابق، تبدو صناعة القرار، الحكومية منها والشعبية، عاملا سلبيا على مستقبل الجزائر، ذلك لأن الوضع الحالي سيتغير وإن كان ذلك مرهونا بالدور الفاعل لجبهة التحرير الوطني والبداية من استعادة الشرعية، بحيث يتم انتخاب أمين عام جديد، وإذا لم يحدث ذلك وتمكَّن فريق بوتفليقة من السطو على حزب جبهة التحرير، فهذا يعني التحكم في الجيش بعد ذلك، أي أن يكون لصالح فريق من السلطة، وهذا يتناقض مع المصالح العليا للدولة الجزائرية، لذلك يتوقع مراقبون حدوث تغيرات واسعة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، يتم بموجبها تطويع الجيش وخاصة قيادة الأركان، وينتهي الأمر بتهيئة الساحة لمن سيخلف بوتفليقة من فريقه أو تتمكن قيادة الأركان من التحكم في الأمر وإبعاد البلاد عن أزمة تلوح في الأفق. واضح أن صناعة القرار في الجزائر اليوم محكومة بالتغيرات المنتظرة وأنها في ظاهرها من نتاج الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة نفسه، وهي ـ كما ذكرنا سابقا ـ تخدم فريقا في السلطة ومتعارضة مع المناخ العام، ولأن الأمر كذلك فقد تعمل الأطراف الرافضة على دفع الأمور إلى صدام فوقي ينعكس بشكل مباشر على الشارع. ويبدو أن نظام الحكم في الجزائر لم يعِ بعد ما حدث في الدول العربية خلال السنوات الخمس الماضية، كما أنه لم يقرأ طبيعة الشعب ودوافعه للتحرك، مع أنه يشاهد انتفاضات وإضرابات في عدد من ولايات الوطن آخذة في الاتساع، وغير مبالية بالقرارات ولا المواقف ولا الوعود. كاتب جزائري :: اقرأ أيضاً الناخب المسلم.. صوت مؤثر في الانتخابات الأميركية السياسة الخارجية الإماراتية: دبلوماسية نشطة وقوة مستمدة من استقرار الداخل لامبالاة عربية بانتخابات الرئاسة الأميركية