سأل رجل حاتم الطائي الذي يُضرب به المثل في الكرم فقال: يا حاتم هل غلبك أحد في الكرم ؟ فأجاب: نعم غلام يتيم من طي نزلتُ بفِنائه وكان له عشرة رؤوس من الغنم فعمد إلى رأس منها فذبحه وقدم إليَّ منه المخ فاستطبته فخرج من بين يدَي وأخذ يذبح رأساً تلو الآخر ويقدم لي أمخاخها وأنا لا أعلم بذلك فلما هممت بالرحيل نظرت حول بيته دماً غزيراً وإذا هو قد ذبح الغنم بأسرها فقلت له: لِمَ فعلت ذلك؟ فقال:تستطيب شيئاً أملكه فأبخل عليك به؟ إن ذلك لسُبَّة على العرب فقيل لحاتم: بماذا عوضته؟ فقال: بثلاثمئة ناقة وخمسمئة رأس من الغنم فقيل: إذاً أنت أكرم منه ؟ فقال: بل هو أكرم مني لأنه قدم كل ما يملك وإنما جدت بقليلٍ من كثير انتهت القصة التي تداولها نفر من نشطاء الواتس أب. ومن وجهة نظري أرى أن ما أقدَم عليه ذلك الغلام هو سَفَه وليس كرماً مع أن الكثير يفعلونه في زمننا الحاضر ولكن في صورٍ مختلفةٍ ويظنونه كرماً والكرم منه برئ فقد قال الله جل وعلا (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) لأن السفيه يبدد المال فيما لا طائل فيه ومعنى الكرم في اللغة كما جاء في (المعجم الصافي في اللغة العربية) تأليف صالح العلي الصالح وزوجته أمينة الشيخ سليمان الأحمد والمستخلص بالدرجة الأولى من قاموس (لسان العرب) للعلامة ابن منظور الكرم هو البذل من غير إسراف فياليت يعلم من يسرف ويبذر بهذا المعنى ليصون نعم الله عن الابتذال والامتهان والكفران بدعوى الكرم ولكن مفهوم الكرم عند بعض الناس أصبح مثل ما فعل ذلك الغلام الذي نحر كل مالديه من الغنم ليقدم أمخاخها لحاتم الطائي لكونه استطاب مخ إحداها فبئس الصنيع ما فعل فهذا الفعل ليس من الكرم بل من السفاهة التي لو تربى عليها النشء لهدروا ثروة الوطن وأضاعوها وتسببوا في نشوء أزماتٍ غذائيةٍ واقتصاديةٍ وبيئيةٍ واجتماعية وحرموا غيرهم من تلك النعمة لأن المال لك أي ملكك ولك حرية التصرف فيه كما تشاء ولكن الموارد لك ولغيرك أي مشتركة بينك وبين الآخرين وليس من حقك هدرها بتصرفٍ فردي لكي لا تحرم منها غيرك وبئس المكافأة من حاتم إن صحت هذه الرواية لأنها تشجع الغلام على الخطأ. ففي بلد كألمانيا يتوقع الكثيرون رؤية الناس يعيشون في رغدٍ وحياةٍ مترفةٍ وبسببها لا يبالون بكميات الطعام أو الشراب أو الملابس وغيرها من الأشياء المستهلكة في حياتهم اليومية والحقيقة غير ذلك إذ يقول احد الطلاب السعوديين المبتعثين إلى هناك عندما وصلت إلى هامبورغ رتب أحد زملائي الموجودين هناك استضافة لي في أحد المطاعم وعندما دخلنا المطعم لاحظنا طاولة صغيرة عليها زوجان لم يكن أمامهما سوى طبقين ومشروبين وكنت أتساءل إذا كانت هذه الوجبة البسيطة يمكن أن تكون رومانسية وماذا ستقول الفتاة عن بخل هذا الزوج وكان هناك عدد قليل من النساء يجلسن جانباً فطلب زميلنا الطعام وكنا جياعاً فطلب المزيد وبما أن المطعم كان هادئاً وصل الطعام سريعاً لم نقضِ الكثير من الوقت في تناول الطعام وعندما قمنا بمغادرة المكان كان هناك ثلث الطعام متبقياً في الأطباق ولم نكد نصل باب المطعم إلا وصوت ينادينا لاحظنا النساء يتحدثن عنا إلى مالك المطعم وفهمنا أنهن يشعرن بالاستياء لإضاعة الكثير من الطعام المتخلف بعدنا فأجابهن زميلي لقد دفعنا ثمن الطعام الذي طلبناه فلماذا تتدخلن فيما لا يعنيكن ؟ فنظرت إحداهن إلينا بغضب واتجهت نحو الهاتف واستدعت أحد المسئولين وحين حضر بزي رسمي قدم نفسه على أنه ضابط من مؤسسة التأمينات الاجتماعية وحرر لنا مخالفة بقيمة 50 مارك التزمنا جميعاً الصمت وأخرج زميلي المبلغ وقدمه مع الاعتذار إلى الضابط وقال لزميلي اطلب كمية الطعام التي يمكنك استهلاكها المال لك لكن الموارد للجميع فهناك الكثير من الناس في العالم يواجهون نقص الموارد وليس لديكم مبرر لهدر الموارد احمرت وجوهنا خجلاً ولكننا في النهاية اتفقنا معه. ونحن كمسلمين أولى بتطبيق هذا الأمر وتغيير عاداتنا السيئة وتمثل قول الله تعالى كلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين وفي آيةٍ أخرى إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا .