×
محافظة مكة المكرمة

منتدى جدة يترك «هواية جمع الطوابع» ودراسة لتحويله إلى كيان

صورة الخبر

بقلم : أمل زاهد كثيراً ما تضيع إشكالياتنا وقضايانا المهمة في حمى المعارك الإلهائية الشعواء بين التيارين المهيمنين على ساحتنا الثقافية، وفي غمار الحروب – التي لا تكاد تخمد لها نار إلا لتعود للاشتعال مرة ثانية- ، تتلاشى الموضوعية وتختفي الرؤية النقدية في ظلمة زوابع التعنصر وأعاصير التحزب التي تقود – بالضرورة- للعمى «الأيدلوجي» ، فيغشي البصيرة ويفقد المرء القدرة على رؤية استبصارية متوازنة تجلي حقائق الأمور وتستشرف مستقبلها!.. الابتعاث كان ولا يزال من ضحايا حروب الفسطاطين المتناحرين في ساحتنا، فهو على جبهة الإسلاميين شر الشرور الذي يقود حتما للتغريب،.. وما أدراك ما التغريب وآثاره على شبابنا المتسكع في تخوم الغرب، وقد ضاعت منه ملامح هويته وذابت عناصرها، مما قد يودي إلى مهاوي التهلكة بالتخلي عن الدين والتبرؤ من العقيدة.. ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وهنا لابد من استدعاء قصص « فردية « أو «مختلقة» للشباب المتهافت على أعتاب المراقص وأبواب البارات، ومخاوف التنصر وغيرها من الأخطار المحدقة بالمبتعثين التي لا يملكون لشرورها صداً وهم محاطون بالغرب والتغريب من كل جانب!. ناهيك عن فاتورة الابتعاث الباهظة التي يدفعها المجتمع نتيجة لابتعاث الجواهر المكنونة التي يتحتم أن تبقى في محاراتها المكينة مغمضة العينين عما يدور حولها، خوفا من أعاصير التغريب بشرورها ومفاسدها المتعددة على جنس حواء وما يجره ذلك على المجتمع!. وكأن العولمة الثقافية اليوم لا تطرق أبوابنا ونحن في عقر دارنا، جارفة معها ملامح الهوية لمن تجد لديه استعداداً لذلك !،. فيما الحل الناجع لمناهضة الاستلاب الثقافي هو التحصين النفسي، وذلك يتأتى – بداية- بتعميق الانتماء الثقافي، وتقوية وتجذير الهوية الوطنية عبر ضمان حقوق المواطنة الكاملة للجميع بمختلف انتماءاتهم المناطقية والعرقية والمذهبية. في المقابل وعلى الجبهة المناوئة تُدبج القصائد في مدح الابتعاث وتصويره على أنه خيرٌ مطلق لا تأتيه السلبيات من بين يديه ولا من خلفه ولا يقاربه النقد إلا لماماً وعلى استحياء، خوفا من أن تُجير الرؤية النقدية لصالح الخصم، وما بين حانا ومانا تضيع الطاسة تماما وتختفي معالم الحقيقة المتطهرة من شوائب الأدلجة ورجس التحزب!. فحتى دفوع تفكيك ثقافة التشدد مردودة، فالبيئة العلمانية تتيح للمتشددين الحرية الكاملة وغير المشروطة لممارسة تفاصيل تشددهم، فيتقوقعون على ذاتهم ويعيدون إنتاج مجتمعاتهم بحذافيرها.. ولكن في بلاد الغربة!. نتيجة للتحزب اختفت- تقريبا – القراءات النقدية التي تقيم مسيرة الابتعاث، وترصد مكامن الضعف ومواطن القوة في سبيل تقويم صيرورة المشروع، وتطويره، واحتواء أخطائه، والعمل على الدفع به قدما ليجني الوطن ثماره ويتجنب سلبياته!،.. ولم تبدأ بعض المحاولات النقدية الخجولة في الظهور إلا بعد أن اكتوى المجتمع بعودة جحافل المبتعثين والمبتعثات لينضم كثير منهم لقوافل البطالة الرابضة في طوابير الانتظار علّ فرصة عمل تلوح في الأفق !.. وكأنما مشروع الابتعاث جاء ليؤجل البطالة إلى أجل مسمى، ثم يعود المبتعث ليقاسِ الأمرين في رحلة البحث عن عمل في دهاليز الجامعات والكليات وأروقة سوق العمل بشقيه العام والخاص، مما يدل على أن الإعداد لمشروع الابتعاث لم يخلُ من الارتجال والعشوائية، ولم يخضع لدراسات استراتيجية دقيقة تحدد احتياجات سوق العمل وقدرته على استيعاب مخرجات المشروع ودمجها واحتوائها!.. حتى نوفر على العائدين التقلب على جمار الفراغ والإحساس القاتل باللاجدوى الذي يعانيه كثير منهم حتى يجود عليهم الحظ أو «الوساطة» بفرصة عمل. ويمكننا التعرف على معاناة بعض العائدين من رحلة الابتعاث بالرجوع لحساب «عاطلون بشهادات عليا» على «تويتر» ، فهو يحفل بصور تلك المعاناة وتفاصيلها!..مما يجعل كثيراً من المبتعثين يحاولون جاهدين البقاء لأطول فترة ممكنة في بلد الابتعاث، ليوفروا على أنفسهم عناء البطالة والبحث عن عمل يتسق معنوياً ومادياً مع الخبرة العلمية والشهادة المتحصلة مما لا يمكن ضمانه في حال العودة للوطن، ..والعاملون في الملحقيات الثقافية في بلاد الابتعاث على علم بمحاولات التسويف والتحايل من بعض الطلاب المبتعثين، وحقيقة لا نستطيع لومهم!. ناهيك عن تسرب بعض العقول النيرة والمتميزة واختطافها عندما تثبت جدارتها، فتستسلم لإغراء الوظيفة الجيدة المقدمة لها على طبق التسهيلات، أو تخفض جناحها للمكانة الأكاديمية والكرسي العلمي المشبع لطموحاتها البحثية مما لايمكن توفيره بسهولة على أرض الوطن، إما لعدم تقدير الكفاءة من جهة أو لتواضع جامعاتنا في هذا المجال من جهة أخرى. في تقديري أيضاً أن قصر الابتعاث في مشروع الملك عبدالله على التخصصات الطبية والصحية فقط – الذي أعلن عنه نائب وزير التعليم العالي الدكتور (أحمد السيف) في صحيفة الرياض الأسبوع الماضي- ليس حلا منطقيا، فهناك كثير من التخصصات المهمة التي يحتاجها الوطن ويتعين معها فتح الباب للتلاقح المعرفي المباشر والانفتاح على الآخر عبر الابتعاث بتجربته الثرية !..وكان الأولى من البداية ألا يفتح باب الابتعاث على مصراعيه للقدرات غير المتميزة أو المتواضعة، وأن يقتصر الابتعاث على الكفاءات القديرة المبدعة التي أثبتت تميزها وتفردها المبشر بفائدة حقيقية تعود عليها وعلى الوطن جراء الابتعاث. ولنا أن نتخيل لو أن الأموال الطائلة التي أنفقت على ابتعاث تلك القدرات «المتواضعة « أنفقت على إنشاء جامعات جديدة أو تطوير وتحسين جامعاتنا. لابد من تحرير إشكاليتنا الثقافية من نير التعصب وفكي الأدلجة والأدلجة المضادة، في سبيل قراءة نقدية واعية تجعلنا نضع أيدينا على أصل الإشكاليات وأبعادها ومن ثم الوصول للحلول.   نقلا عن الشرق