×
محافظة المنطقة الشرقية

فوائد الرياضة لحرق السعرات الحرارية بسرعة

صورة الخبر

عبد الله السناوي في بلد كلبنان لا يوجد سر واحد يعيش طويلاً، حسابات الأطراف المتنازعة غير خافية، واتصالات الكواليس شبه معلنة. يقال عادة، إن لبنان مرآة العالم العربي، لكنه قبل ذلك مرآة نفسه. منذ تأسيس دولته انعكست على مسارحه أزمات الإقليم الكبرى، وتجلت موازين القوى والنفوذ وأحجام الأدوار في شؤونه ومصائره، دون إخفاء بمساحيق تجميل أو إنكار لحقائق الصورة. كأي مرآة سياسية فإن ما يحدث فيه من تحولات مفاجئة وحسابات جديدة يعبر عن شيء مما يتحرك خارجه. إن هناك أسباباً داخلية ساعدت في تفكيك أزمة الفراغ الرئاسي، التي تمددت لسنتين ونصف السنة دون أفق لحل. تعطلت مؤسسات الدولة، رئاسة وحكومة ومجلساً نيابياً، وتدهورت الخدمات العامة إلى حد العجز عن جمع القمامة، وارتفعت نبرات الإدانة بأكثر مما هو معتاد لالمحاصصة الطائفية وفساد النخب الحاكمة، وبدا أن انفجاراً ما قد يحدث يأخذ من لبنان سلامته وأمنه، وربما وجوده كدولة، بالنظر إلى هشاشة وضعه الداخلي، وبراكين النار في جواره السوري. لم تكن مصادفة تراجع شعبية تيار المستقبل، الذي يترأسه سعد الحريري، على نحو فادح في الانتخابات البلدية، وتقويض صورة حزب الله إثر اتهامه بالمسؤولية الأولى عن تعطيل الاستحقاق الرئاسي، أو أن تلاحق الاتهامات بصيغ أخرى جميع الأطياف والمكونات بلا استثناء واحد. وفق الصيغة اللبنانية المعتادة لا غالب ولا مغلوب جرت صفقة تمرير الرئيس الثالث عشر العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا.الصفقة لم تتضح كل أبعادها وخلفياتها بعد، ولا عرفت بدقة حسابات الأطراف الإقليمية المتنازعة في تمريرها، ولا أي حسابات أخرى لأطراف دولية متداخلة في مباركة التطور الجديد. ذهبت الرئاسة إلى عون ورئاسة الحكومة إلى الحريري، وهما ينتميان إلى معسكر يخاصم الآخر على خلفية تداعيات اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، والحرب في سوريا، والموقف من سلاح حزب الله. الذين عارضوا صعود عون، وناصبوه العداوة لسنوات طويلة، يعانون الآن بمقتضيات السياسة المتحولة، ترحيباً بصعوده وأملاً في تعاون مشترك. هذا الوضع سيخضع لاختبار إثر آخر، يبدأ من تشكيل الحكومة والنظر في قانون الانتخابات ومدى التزام الرئيس الجديد بما تعهد به في خطاب القسم بأن يقف على مسافة واحدة من كل المتناقضات حكماً وفق الدستور لا طرفاً في أي صراعات سياسية، وبما سجله من ضرورة إقرار القانون الانتخابي الذي يؤمن عدالة التمثيل قبل موعد الانتخابات النيابية، وبما أكده من ضرورة الابتعاد عن الصراعات الخارجية، واحترام ميثاق جامعة الدول العربية، والأهم النأي بلبنان- الذي يسير بين الألغام- عن النيران المشتعلة حوله في المنطقة. كل تعهد ينطوي على لغم، فقانون الانتخابات هو موضوع سجال لبناني ضاغط ومُلح غير أن لكل طرف تصوره الذي يوافق مصالح طائفته بأكثر من ملاءمة التطلع إلى دولة حديثة ديمقراطية تحكمها قواعد المواطنة لا حصص الطوائف. والابتعاد عن الصراعات الخارجية أقرب إلى الأمنيات من السياسات، بالنظر إلى ارتباطات الأطراف الداخلية النافذة بالحسابات الإقليمية المتناقضة. وإعلان احترام القرارات العربية هو تأكيد جديد لهوية لبنان العربية، لكنه لا يتعدى الأقوال العامة. كما أن تعهده بدعم المقاومة ضد العدو الإسرائيلي حقيبة ألغام مملوءة بالمخاوف المتبادلة. هو رجل عنيد سعى على مدى (26) عاماً للعودة إلى قصر بعبدا، الذي طرد منه بقوة السلاح عندما كان رئيساً لحكومة عسكرية بتكليف من الرئيس المنتهية ولايته في ذلك الوقت أمين الجميل. لم يكن التكليف شرعياً بأي معنى دستوري وقانوني أو سياسي توافقي، لكن طموحه دعاه إلى محاولة فرض رئاسته بالقوة في أتون الحرب الأهلية. دخل في صدام مسلح مع حكومة سليم الحص، التي حظيت بدعم كامل من جبهة وطنية واسعة نظرت إلى صورته بسلبية بالغة سادت أرجاء العالم العربي. عندما عاد من المنفى الباريسي إلى بيروت بعد اغتيال رفيق الحريري وخروج القوات السورية فاجأ خصومه وأنصاره على السواء بعون جديد. وهو رجل عملي بروح المغامرة لم يتردد في التحالف مع بعض أعداء الماضي، أو أن يدخل في صراع مفتوح مع بعض الحلفاء القدامى. لا يستبعد أن يبدي الرئيس عون وجهاً جديداً لم يسبق أن أطل عليه أحد من قبل. ورغم أنه الجنرال الرابع الذي يصعد إلى بعبدا إلا أنه يختلف عن سابقيه فؤاد شهاب وإميل لحود وميشال سليمان. ليست لديه كاريزما الأول وقوة نفوذه على المؤسسات العسكرية والأمنية، ولا مستوى الدعم الإقليمي والدولي الذي جسده رجلان استثنائيان جمال عبد الناصر وشارل ديغول. كما أنه ليس كالجنرالين الآخرين اللذين صعدا للمكان نفسه بقوة المواءمة الاضطرارية لا بأثر الطموح الزائد. وهو في الثالثة والثمانين من عمره يجد نفسه أمام اختبارات صعبة، كيف يحفظ استقلاليته دون إخلال بالتوازنات الحرجة؟ ليست هناك مهمة سهلة واحدة تعترض الرئيس عون، من طلب الماء النظيف والبيئة النظيفة إلى طلب إبعاد لبنان عن شلالات النار واحتمالات الاحتراب الأهلي التي أطلت بأشباحها أكثر من مرة في السنوات الأخيرة. أفضل ما يجرى في لبنان الآن، رغم كل الأزمات المحتملة والمشاعر المتضاربة، أنه بالكاد التقط أنفاسه، وبدأ يتطلع إلى مستقبله بشيء من ثقة افتقدها طويلاً.