تحقيق:إيمان سرور أكد تربويون في مدارس أبوظبي أن تنوع الأنشطة وأسلوب الحياة والمثيرات البصرية والسمعية، التي يتعرض لها ويتفاعل معها طلبة المدارس وأطفال رياض الأطفال، إضافة إلى فرص التعلم والتدريب والتثقيف التي يتلقونها في مدارسهم، تعمل على استثارة ملكة الإبداع لديهم، وتفتح لهم طاقات الخيال والتعبير الفني، الذي من خلاله تتكون شخصيتهم الإبداعية. وقالوا إن التربية بمفهومها الحديث تسعى إلى إعداد الإنسان الجديد الذي يمتلك الموهبة والقدرات الإبداعية والابتكارية والارتقاء الدائم به، ورعاية النمو الإنساني، بجميع جوانبه لتحقيق أقصى درجة من درجات التمكين له في عالم الابتكار والإبداع، كما تهتم التربية بتكوين شخصية متكاملة لدى الفرد عقلياً وجسمياً وانفعالياً واجتماعياً. وأوصوا بالاهتمام بمادة التربية الفنية في المناهج الدراسية من خلال تنوع خبراتها ومواضيعها، وبما يثير ويحفز الأفكار والقدرات الإبداعية لدى الطلبة، ويحسن توجيههم في المستقبل، فضلاً عن الاستمرار في إعداد الأنشطة المتجددة والابتكارية التي تتطلب الأصالة والمرونة في تنفيذها لتطوير تلك القدرات الإبداعية التي تسهم في تنمية الموهبة. الخليج اطلعت على آراء تربويين عدة في مدارس أبوظبي، واهتمام مجلس أبوظبي للتعليم بمادة التربية الفنية، والاتجاهات الحديثة في التعليم، التي تركز على تدريس الفنون ضمن المناهج الدراسية، ودورها في بناء شخصية الطالب، وتوظيف اتجاهاته الفكرية نحو المستقبل بشكل إيجابي، وذلك من خلال التحقيق التالي. محمد الملا اختصاصي أول مناهج، مدير قسم المناهج العربية في مجلس أبوظبي للتعليم بالإنابة، أكد أن اهتمام المجلس بمادة التربية الفنية نابع من مدى تأثير هذه المادة على المجتمع بشكل عام، وعلى الطالب بشكل خاص، مشيراً إلى أن المادة تتضمن العديد من المجالات الواسعة التي ترتبط بالحياة العملية والصفية، لذلك فإن إدخالها في المناهج ضرورة حتمية، فالفنون لغة التعبير عن أفكار وخيال وتصورات وإبداع الطالب من خلال نتاجه الفني فهي تشجع الابتكار، وتهذب العقل وتصقل الروح وتعزز دمج المهارات الحسية والمعرفية والعاطفية والحركية معاً، كما أنها تساعد الطلاب على الرقي والتطور بما يواكب تطور العصر وينسجم مع البيئة والتراث الإماراتي المحلي، مشيراً إلى أنها تعمل على تهذيب سلوك الطلاب، وتدعم تفاعلهم مع الحياة الواقعية من خلال تعزيز مقدرتهم على التعبير والتفكير والابتكار والتذوق وتحمل المسؤولية، مما يكسبهم ثقة بأنفسهم لاستكشاف العالم من خلال عمليات التفكير الناقد ومهارات حل المشكلات، وتعزيز دمج المهارات الحسية والمعرفية والعاطفية والحركية معاً. مبادرات جديدة وكشف مدير قسم المناهج العربية في المجلس المبادرات الجديدة للتربية الفنية التي تم إدخالها في مدارس أبوظبي، حيث تم إدراج النسخة التجريبية لمناهج التربية الفنية لنموذج أبوظبي المدرسي من مرحلة رياض الأطفال حتى الصف التاسع 2016-2017 تحت عنوان جيل مبدع مبتكر مواكب لعصره ومحافظ على تراثه وهويته الإماراتية، مشيراً إلى أن الرسالة العامة للمنهاج تهدف إلى تطوير جيل مبدع من الفنانين المفكرين الناقدين والمبدعين يمثلون الهوية الثقافية الإماراتية، ويسهمون في انتشار فنونهم وإبداعاتهم محلياً وعالمياً، حيث يتواصلون من خلال أعمالهم الفنية مع العالم، ويعبرون عن أفكارهم الفنية والجمالية والتراثية التي تعكس الشخصية الإماراتية ورؤيتها في المجالات المحلية والوطنية والعالمية. وأوضح الملا أن منهاج التربية الفنية يعتمد على أسلوب الإسناد التدريجي ويتماشى مع رؤية أبوظبي 2020 ويواكب المعايير التعليمية العالمية، لافتاً إلى أن منهاج مادة التربية الفنية - نموذج أبوظبي المدرسي - يتميز بوجود محور الموروث المحلي الثقافي في جميع المراحل الدراسية مما يسهم في تعزيز الهوية الوطنية الإماراتية والتراث المحلي الإماراتي في الأعمال الفنية الطلابية، مشيراً إلى أن هناك ورشاً تدريبية نظرية وعملية لمعلمي التربية الفنية في إمارة أبوظبي تتضمن الجانب النظري والعملي ولقاءات مع فنانين تشكيلين إماراتيين لتطوير خبرات المعلمين وللإطلاع على المستجدات الفنية الحديثة محلياً وعالمياً، ما يسهم في دعم تطوير العملية التعليمية للطالب. مقررات ثرية وقالت موزة راشد الظاهري مديرة مدرسة البطين المؤنثة للتعليم الأساسي، إن المدرسة تهتم بالجانب التربوي والسلوكيات، كما تهتم بتدريس مواد الفنون والرياضة إلى جانب المواد العلمية التي تدرس باللغتين العربية والإنجليزية لطلبة الصفوف من الأول الابتدائي وحتى الخامس وبإشراف أكاديمي كامل على المواد العربية والأجنبية، مشيرة إلى أن المناهج الجديدة اشتملت على مقررات ثرية لمادتي التربية الفنية والرياضية، تركز على معايير الإطار الوطني الموحد للمناهج، ووثيقة معايير مادة الفنون الموسيقية، التي تشمل 3 محاور، منها: المعلم والطالب والمنهج، حيث تم تطوير المناهج حتى الصف الخامس للعام الدراسي 2012-2013، كما تم تطوير المعلمين من خلال دورات تدريبية لتنمية الكفايات الفنية والتربوية، وإثراء خبراتهم. وأضافت: إن الاهتمام بالمبدعين أصبح حاجة ملحة، مشيرة إلى ضرورة تدريب الطلبة على استخدام أنواع التفكير المختلفة وخاصة التفكير الإبداعي، حيث إن الخيال والألعاب والموسيقى والرسم والرياضة والفنون الأخرى من العوامل المساعدة في تنمية شخصية الطالب، وتعد جزءاً من النشاط الفكري للإنسان عند مناقشته للمشاكل التي تطرح عليه. مادة الموسيقى وأوضحت إيناس محمد نبيل معلمة التربية الموسيقية، أن تدريس الموسيقى كمادة من المواد الدراسية التعليمية يؤثر في تشكيل شخصية الطالب، حيث إنها تربط المواد العلمية كالرياضيات والعلوم ومادة التربية الإسلامية بمهارات القرن ال21، كالتفكير النقدي والإبداعي والتواصل والعمل التعاوني فيما بين الطلبة. وأشارت إلى أن الخطة التطويرية للتربية الموسيقية تجعل من الطالب محوراً رئيسياً فيها، لافتة إلى أنه يتم تنظيم مسابقات تنافسية بين الطلاب والطالبات في ثلاثة مجالات، الفردي: العزف المنفرد الغناء الفردي، والجماعي: الأداء الآلي والغنائي، مجال الفنون والفلكلور والألعاب الشعبية، ومن خلال تلك المنافسات نكتشف المواهب والمبدعين الذين يتم احتضانهم من خلال بعض الأندية الموسيقية وأندية التراث، لممارسة وتطوير هواياتهم. من جانبها أكدت معلمة اللغة العربية سناء أمين، أن هناك مواهب طلابية في مجال الإلقاء والتقديم الإذاعي وإجراء الحوارات المرئية، والتمثيل على خشبة المسرح، وإعداد الخبر الصحفي والخط العربي، مشيرة إلى أن تلك المواهب يتم صقلها والاهتمام بها في المدارس من خلال الأندية الخاصة بكل نشاط أثناء الفسحة وحصص الأنشطة. تعزيز المهارات وقالت عبير محمود معلمة التربية الفنية، إن الفنون تنمي في الطالب روح العمل الجماعي والاقتصاد والمحافظة على قيمة المادة بعد استخدامها إعادة التدوير، إضافة إلى تعزيز مهارات الابتكار والنقد لديه، وتكسبه الثقة بنفسه من خلال تعويده على الوقوف أمام معلمه والآخرين لشرح إنجازه الفني دونما خجل. وأشارت إلى أن التذوق الفني يساعد الطلاب على تنسيق الألوان وتدريبهم على اختيار المتلائم والمتناسق في ملابسهم وفي ديكور منزلهم ومفروشاتهم، كما أن المادة تساعد المبدعين منهم على أن يستغلوا موهبتهم الفنية، حيث تكون مهنة لهم في المستقبل من خلال امتلاكهم معارض فنية أو أن يتخصصوا في هذا المجال، ولفتت إلى أن حصص التربية الفنية كانت في البداية عبارة عن روتين، حيث يقوم المعلم بتدريس منهج جاف لا يهتم بتنمية الجانب الإبداعي لدى الطلاب، مبينة أن المدرسة تنظم المعارض الفنية التي يقدم فيها الطلاب لوحاتهم الجميلة ومجسماتهم الفنية المنتجة من المواد المستهلكة، وبينت أن المدرسة توفر لطلابها الأدوات اللازمة خلال حصص التربية الفنية من لوحات وألوان وغيرها. الإعداد البدني وقالت نوال البشير معلمة التربية الرياضية في مدرسة البطين، إن مادة التربية الرياضية تعد من الفنون التي تسهم في إعداد الطالب بدنياً وصحياً ومهارياً، كما أنها تدعم تكوينه معرفياً واجتماعياً، وتساعد بشكل كبير في إبراز الجانب القيادي له من خلال قيادته لمجموعته أثناء الدرس، من حيث تحمله للمسؤولية عند إحضار الأدوات وإرجاعها والمحافظة عليها،أيضاً يتعود الطالب من خلالها على احترام الوقت والنظام، أثناء قيادته لفريقه خلال النشاط الفني أو الرياضي، كما تبرز قدرته على القيادة بصورة أكبر في التوجيه والتحفيز والتفاعل والتعاون مع أفراد فريقه عند التنافس الخارجي كاحترام الخصم وإظهار الروح الرياضية عند الفوز أو الخسارة. وطالب عدد من التربويين بزيادة حصص الأنشطة اللاصفية بحصتين في الأسبوع، بدلاً من حصة واحدة، مشيرين إلى أن حصص التربية الفنية والرياضية في المدارس الابتدائية والإعدادية غير كافية لممارسة الطالب لنشاطه وإبراز موهبته، معتبرين أن ذلك يقلص الإبداع. حصص ترويحية وأوضح حسن المرزوقي معلم تربية فنية، أن التربية الفنية غائبة تماماً في مرحلة التعليم الثانوي، حيث من المفترض أن تكون المادة موجودة بقوة خلال هذه المرحلة التي تحتاج إلى وجود حصص ترويحية للطلاب حتى يستطيعوا استيعاب المناهج العلمية الكثيفة، مشيراً إلى أن التربية الفنية تشكل عامل جذب للطلاب في المدارس، وقال متسائلاً: لماذا تقل حصص الأنشطة اللاصفية، كلما انتقل الطالب إلى مرحلة تعليمية أعلى؟ وقالت سمية عبده كامل معلمة التربية الفنية، إن تلك المادة لا تأخذ حقها في مدارس الحلقة الثالثة الرسم والموسيقى رغم أنها تمتلك دوراً حيوياً في تنمية العقل والحس والذوق، مشيرة إلى أن الطالب في هذه المرحلة يستطيع التعبير عما يدور في ذهنه من خلال الرسم أو كتابة قصة مصورة يعبر عنها من خلال الرسم. اكتشاف المواهب وطالبت سميحة عوض محمد معلمة التربية الفنية، بإدخال المادة في المرحلة الثانوية، خصوصاً في ظل وجود مجموعة كبيرة من الطلاب المواطنين، الذين يتمتعون بلمسة فنية جميلة، ولو أحسن استغلال تلك الطاقات الكامنة لوجدنا العديد من الكوادر الوطنية العاملة من الفنانين التشكيليين والمبدعين ورسامي الكاريكاتير، يمكنهم تمثيل الدولة داخلياً وخارجياً. وقال معلم التربية الموسيقية محمد سعيد قداح، إن هناك طلاباً في المدارس يحتاجون إلى تنمية مواهبهم ومهاراتهم الموسيقية التي يفتقدون إلى ممارستها في منازلهم، مطالباً بأهمية إدخال منهج وحصص التربية الموسيقية في المرحلتين الثانية والثالثة من التعليم الأساسي، على أن تكون مادة اختيارية للطلاب، بحيث يتم تدريسها للراغبين، على أن يتم تدريبهم على الآلات الموسيقية والأناشيد الوطنية والتراثية والدينية، وتنمية حاسة التذوق الموسيقي لديهم، واكتشاف الأصوات الغنائية المواطنة المؤهلة لأن تكون معبرة عن صوت الدولة الثقافي والتراثي والفني. وقال نصر الدين عبد الرحيم الاختصاصي الاجتماعي بمدرسة الصقور الحلقة الثانية، إن التربية الفنية تتيح الفرص لتنمية المهارات العقلية العليا، ويبرز من خلالها التفكير الإبداعي الناقد، اللذي يشكل ركيزة مهمة في تنمية الموهبة، إذ تضم جميع أنشطة مناهج التعليم الأساسي وما بعد الأساسي فقرات إجراءات التقويم التي تفسح المجال أمام الطالب لإبداء الرأي في الأعمال المميزة، كما تفسح المجال أمامه ليتحدث عن عمله وطريقة إنتاجه مما ينمي الطلاقة اللفظية لديه. الموسيقى تحقق الفوائد التعليمية أسس مجلس أبوظبي للتعليم مؤخراً أوركسترا مدارس أبوظبي، التي تعد الأولى من نوعها على مستوى الدولة، وتشكل لحظة تاريخية ومرحلة مهمة في نشر تعليم الموسيقى في جميع مدارس إمارة أبوظبي. وضمن المبادرات الجديدة للتربية الفنية التي أدخلها مجلس أبوظبي للتعليم في مدارسه مشروع دمج التراث المحلي في مناهج التربية الفنية، بالتعاون مع هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة.