يدخل ذلك الشاب إلى متجر الشركة العالمية للملابس الرياضية ليشاهد ذلك القميص الأخضر بشعار النسر المميز على الناحية اليسرى العليا يرى الجزء الخلفي من القميص فهو بدأ تعلم الالمانية منذ نحو أربع سنوات ليقرأ Der Bomber Welt Tour أو بعد الترجمة رحلة هداف الأمة العالمية ليتأكد من شرائه بلا شك. أنه العام 2006 وما زال ذلك الرقم صامدا منذ 32 عاما 14 هدفا في بطولتين لكأس العالم الوحيد الذي يهدد هذا الرقم هو الظاهرة البرازيلية لكن هذا الشاب يتذكر تماما كيف كانت بداية مهاجم المفضل الصعبة. جيرد مولر أو هداف الأمة المولود في الثالث نوفمبر 1945 أي بعد أقل من ستة أشهر من استستلام بلاده المانيا وشهرين بالضبط منذ انتهاء الحرب العالمية تماما. البداية كانت في شوارع مدينة نوردلينجن ولحظه فهو ولد في الجزء الذي سيطر عليه الحلفاء وتعرض لسخرية زملائه بسبب الثقوب في حذائه الصغير لكن رد فعله كان مشابها لما سيقوم به في مسيرته بعد ذلك وهو تسجيل هاتريك في المباراة الأولى مع فريقه تي.اس.فاو 1861 نوردلينجن. وفي صيف 1964 جذب جيرد الصغير أعين الفريقين الأكبر في ميونيخ بايرن ومنافسه تي.اس.فاو 1860 الذي كان يلعب في البوندزليجا التي تأسست حديثا ومثل فرانتس بيكنباور اختار مولر الانضمام إلى بايرن مقابل 4400 مارك الماني لكن لكونه غير بالغ (21 عاما في المانيا في ذلك الوقت) كانت والدته هي من وقعت على عقد انتقاله إلى الفريق البافاري ليترك عمله كلحام يبدأ مشواره مع بايرن في خطوة شكلت مستقبله ومستقبل الفريق فيما بعد. لكن قبل التألق كاد مولر أن يستسلم ويترك كرة القدم بسبب المدرب اليوغسلافي زلاتكو كايكوفسكي الذي لم يكن مقتنعا به بسبب جسده الممتلئ وفكر اللاعب الشاب الذي كان يعمل بشكل جزئي في أحد المحال في ميونيخ. وقال كايكوفسكي "ماذا يمكنني أن أفعل بهذا اللاعب. هذا الجسد لا يصلح لكرة القدم". لكن الانقاذ جاء عبر فيلهلم نويدكر رئيس النادي الذي أصر على إن يشركه كايكوفسكي ليصبح 18 أكتوبر 1964 هو بداية الانطلاق والاستقرار حيث سجل هدفين في الفوز على فرايبورج 11-2 كانا الأولين من بين 398 هدفا مع بايرن. وقاد مولر بايرن نحو الصعود للبوندزليجا بتسجيل 33 هدفا في 26 في ذلك الموسم ووجد هيلموت شون مدرب المانيا ضالته في مولر مع بناء فريق جديد بعد خسارة نهائي كأس العالم 1966 أمام انجلترا. فمع تقدم اوفه زيلر في العمر كان مولر هو الحل البديل وتأثر لاعب بايرن تأثر كثيرا بمهاجم هامبورج خاصة أنه كان يملك جسدا مشابها. لكن المباراة الأولى مع المنتخب في أكتوبر 1966 لم تحمل أخبارا سعيدة لمولر بعد أداء متواضع عرضه للعديد من الانتقادات وبعد ستة أشهر أجاب على الجميع بتسجيل أربعة أهداف لتفوز المانيا 6-صفر على البانيا وتطلق عليه مجلة بيلد "هداف الأمة". وربما يدين مولر بالفضل لمدربه اليوغسلافي الاخر برانكو زيبيك الذي ساعده على تقليل وزنه ليفوز بايرن بثنائية الدوري والكأس ويحصل المهاجم على لقب هداف الدوري وأفضل لاعب في موسم 68-69. ومع اقتراب كأس العالم 70 طلب هيلموت شون مدرب المانيا من زيلر مساعدة مولر في هجوم المنتخب. ويقول زيلر "شون طلب مني الانضمام إلى المنتخب واللعب أسفل مولر فأنا لم أرغب في المشاركة على حسابه. سجلنا العديد من الأهداف. جيرد كان يعلم أنني هناك لمساعدته. كنت واثقا أنني سأعتزل مرة أخرى ولن ألعب للمنتخب مرة أخرى." وانضم مولر إلى الفرنسي جوست فونتاين (13 هدفا) والمجري ساندور كوتشيش (11 هدفا) في قائمة من سجلوا عشرة أهداف أو أكثر في بطولة واحدة لكأس العالم عندما قاد المانيا لقبل النهائي 1970 قبل الخسارة أمام ايطاليا في المباراة التي تحمل لقب "مباراة القرن" ويحصل على الكرة الذهبية التي كانت تقدمها مجلة فرانس فوتبول. وقالت عنه صحيفة اليونيفرسيال المكسيكة "لم نكن نعلم من هو في البداية اعتبرناه مثل مندوبي المبيعات الذين يجلسون خلف المكاتب كثيرا ولا يتحركون ويأكلون بشراهة." ومنذ ذلك الحين فشل جميع اللاعبين في تسجيل عشرة أهداف أو أكثر في بطولة واحدة وكان الأقرب هو رونالدو بثمانية أهداف في 2002. لكن الموسم الأهم لمولر كان 71-72 عندما سجل 40 هدفا في الدوري وهو رقم ما زال صامدا حتى الآن وسجل 85 هدفا في عام ميلادي واحد هو 1972 ولم يكسر هذا الرقم سوى ليونيل ميسي في 2012 عندما أحرز 91 هدفا 66 مباراة بينما احتاج اللاعب الالماني إلى 60 مبارا ة فقط. وقاد مولر المانيا لتحقيق لقبها الاوروبي الأول في نفس العام بالفوز 3-0 على الاتحاد السوفيتي مسجلا أربعة أهداف في البطولة. وفي 1973 وقع مولر على عقد انتقاله إلى برشلونة مقابل 400 ألف مارك لكن الحكومة الالمانية تدخلت لإيقاف انتقاله ليقرر الفريق الكتالوني توجيه انظاره إلى يوهان كرويف في خطوة كتبت مستقبل الفريق الاسباني. وقاد مولر فريقه للقب كأس اوروبا أبطال الدوري في 1974 بتسجيل هدفين في مباراة الإعادة أمام اتليتيكو مدريد الاسباني واختتم موسم 73-74 بهدفه في مرمى هولندا في نهائي كأس العالم ليمنح بلاده لقبها الثاني ليصبح أول منتخب في تاريخ اوروبا يجمع بين لقبي بطولة اوروبا وكأس العالم. وأنهي مولر مسيرة مع المنتخب سجل خلالها 68 هدفا في 62 مباراة وهو يظل أفضل معدل للاعب في التاريخ مع منتخب بلاده. واستمرت سيطرة بايرن على كأس اوروبا لموسمين متتاليين بفضل مولر لكن مع تقدمه في السن لم يستطع مجاراة سرعة اللعبة ليرحل عن الفريق البافاري في 1979 وينتقل إلى فورت لاودردال سترايكرس الامريكي حيث سجل 38 في ثلاثة أعوام قبل أن يعاني من إدمان الكحول. وعاد مولر إلى المانيا بعد نصيحة اولي هونيس وفرانتس بيكنباور ليبدأ العلاج قبل أن يتولى فيما بعد تدريب فريق الشباب بعملاق المانيا وساعد على تقديم مجموعة من اللاعبين مثل سباستيان شفاينشتايجر وفيليب لام وتوماس مولر وديفيد الابا. ربما لم يكن مولر يملك جسدا يصلح لكرة القدم لكنه امتلك ميزة أصبحت نادرة في مهاجمي الجيل الحالي وهي قدرته على اللعب بظهره إلى المرمى فهو قادر على معرفة كيف سيتحرك وأيضا سيسدد الكرة بعيدا عن متناول حارس المرمى ويظل أحد اللاعبين الذين قال عنهم بيليه إنهما كانا سيشكلان ثنائيا قاتلا. ويظل ذلك الشاب يتذكر مهاجمه المفضل في التاريخ لكن ذلك القصير البدين ربما لن يتذكر أي شيء بعد إعلان إصابته بالزهايمر في أكتوبر 2015 وأنه لم يعد يتذكر سوى زوجته التي قضى معها 49 عاما من حياته. "مولر كان قصيرا وبدنيا ويملك جسدا غريبا للغاية وليس سريعا ولم يلائم فكرة اللاعب العظيم لكن سرعته في المسافات القصيرة كانت رهيبة وأيضا ألعاب الهواء وغريزة تهديفية خارقة للطبيعية. قصر قامته منحته ميزة كبيرة في مركز التوازن لذا كان يستطيع تغيير اتجاهه سريعا وباتزان كبير في مساحات وسرعة كانت تتسبب في سقوط لاعبين اخرين. كان يسجل من في حالات غير عادية" الصحفي الانجليزي ديفيد وينر في كتابه البرتقالي الرائع.. عبقرية كرة القدم الهولندية.