منذ أول يوم من أحداث الحادي من سبتمبر الإرهابية عام 2001 وحتى تاريخ اليوم، تناولت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الشأن العام السعودي بمئات التقارير، ولفشل هذه التقارير طوال أعوام مضت في التأثير على السعودية أو على سياستها الخارجية والداخلية، تجرأت الصحيفة بشكل غريب وخاطبت السعوديين وخاصة المرأة السعودية بطلبها منهم التواصل معها، ونشر قصصهم عن واقعهم المعيشي. سقطة مهنية العمل الصحافي المهني وخاصة التحقيقات الصحافية تتطلب النزول إلى الميدان ومحاورة الناس بشكل مباشر ومخالطتهم في أعيادهم ومناسباتهم الخاصة والوطنية والتعرف على ثقافتهم قبل البدء في الكتابة، إلا أن الصحيفة لم تفعل ذلك حين تتحدث عن السعودية، في سقطة مهنية كبيرة وقعت فيها بشكل متعمد. ولم تكلف نفسها عبء إرسال أحد صحافيها البالغ عددهم 1200 صحافي إلى السعودية؛ لفهم واقعها عن قرب، والتي من المؤكد أنها سترحّب بالصحيفة، وستذلل لهم كل العقبات لمقابلة الناس بحرية وكتابة تقاريرهم بحيادية وبكل تجرّد عن قرب. الأجندة الخفية! وإذا استبعدنا مصطلح المؤامرة، ينبغي التسليم بأن للصحيفة أجندة واضحة تجاه السعودية، حيث تعتبر الصحيفة الأكثر تأثيراً في الولايات المتحدة، كما أنها توصف بأنها صحيفة ذات صلات قوية بالبيت الأبيض والمؤسسات الأمريكية السيادية والوكالات الأمنية والعسكرية، ولطالما حظيت الصحيفة بتصريحات خاصة من قبل المسؤولين الأمريكيين على كل مستوياتهم الوظيفية، كما أن التصريحات التي يصعب قولها من قبل المسؤولين في البيت الأبيض لنظرائهم السعوديين تتبرع الصحيفة بكل سرور وتقوم بإيصال الرسائل على طريقتها! تاريخ الصحيفة وللصحيفة تاريخ كبير من المحاكمات والقصص والفضائح والاستقالات والأرباح المليارية ثم الانهيار المالي، وأخيراً تأجير مبناها للدائنين؛ حيث تأسست الصحيفة على يد هنري رايموند وجورج جونز عام 1851. وأصدرت "نيويورك تايمز" اليومية (new york times daily) أول أعدادها سنة 1951، لتغير اسمها بعد ذلك إلى "نيويورك تايمز" سنة 1957. وتعتبر شركة "نيويورك تايمز" إحدى أكبر المؤسسات الإعلامية في العالم، حيث تمتلك أكثر من 20 صحيفة في أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة منها "الإنترنشيونال هيرالد تريبيون" و"بوستن غلوب"، بالإضافة إلى ثماني محطات تلفزيونية في ولايات مختلفة منها قناة "ديسكفري"، وقد حصلت على 113 من جوائز "بولتزر" المشهورة، وكان للصحيفة بالإضافة إلى صحف أخرى دور مهم في تأسيس وكالة الأنباء العالمية "الأسوشيتد برس". تلفيق واستقالات كما ينظر للصحيفة بأنها أحد أهم قلاع الليبرالية في الولايات المتحدة الأمريكية، وتتخلى عن حيادها بشكل دائم لصالح الحزب الديمقراطي إذا كان في مواجهة الجمهوريين، وعرفت الصحيفة عام 2003 مشكلة الصحفي جايسون بلير الذي اتهم بتلفيق التقارير الإخبارية، وانتهى ذلك يإقالته واستقالة مسؤولين بهيئة التحرير مباشرة بعد ظهور التحقيقات التي أكدت التهم المنسوبة إليه، وهي قضية تدرّس في مناهج الصحافة والإعلام في أمريكا. تأييد "إسرائيل" والغزو كما واجهت أيضاً العديد من المشاكل القانونية أبرزها قضية الصحفية جوديث ميلير التي قضت عقوبة بالسجن عام 2005 بتهمة نشر أخبار وتقارير وُصفت بعدم الصحة والفبركة أثناء الحرب على العراق، كما أنها مؤيدة بشكل كامل لـ"إسرائيل"، وتخلت مجدداً عن حيادها في العدوان على غزة، وحول الغزو الأمريكي للعراق أيدت الصحيفة غزو العراق؛ حيث كانت تسوّق للحرب على العراق، وتروّج لمقولة أسلحة الدمار الشامل؛ لكنها تراجعت عن ذلك، وقدمت اعتذاراً لقرائها بعد اتضاح عدم صحة ذلك. متاعب اقتصادية تعرضت صحيفة "نيويورك تايمز" مثل غيرها من الصحف الورقية لأزمة مالية خانقة؛ بسبب تراجع التوزيعات، وكذلك إيرادات الإعلانات، ثم جاءت الأزمة الاقتصادية عام 2008 لتسًرع في انخفاض مداخيل الصحيفة مالياً. وفي عام 2012 أعلنت نيويورك تايمز استقالة جانيت روبنسون التي شغلت منصب الرئيسة التنفيذية للشركة خلال فترة من التغير السريع، وعدم اليقين في صناعة الصحف، وبالرغم من من نجاحها في رفع مداخيل الصحيفة، إلا أن "جانيت" استبقت الأحداث وخرجت؛ لإدراكها أن الصحيفة ستصطدم بمشاكل مالية كبيرة عاجلاً أو آجلاً؛ نظراً لتنوع مصادر المعرفة من مواقع التواصل والخدمات الإخبارية المجانية على الإنترنت، وتحول المعلنين إلى الإنترنت. وحالياً، تعاني "نيويورك تايمز" من تراكم الديون؛ حيث تُقدّر ديونها بنحو مليار دولار، وقد رهنت مبناها للدائنين، ويتوقع أن تواجه مشكلة أكبر عندما تستحق ديونها المتأخرة والتي من المحتمل ألا تستطيع تسديدها، وانخفض توزيع الصحيفة إلى مستوى مليون نسخة يومياً، وهي تمثل نصف حجم توزيعها السابق، ومع ذلك فهي تسير إلى مزيد من الهبوط في التوزيع يوازيه انخفاض حاد في إيرادات الإعلانات. توقع "ترامب" وقال المرشح للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، في كلمة له ألقاها أمام حشد من أنصاره في ولاية كونيكتيكت إنه لا يخوض الانتخابات ضد منافسته من الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون التي وصفها بـ"المخادعة"، وإنما يخوض معركته الانتخابية ضد وسائل الإعلام الأمريكية، ووجّه نقداً لاذعاً لصحيفة "نيويورك تايمز" على خلفية نشرها تقريراً ورد فيه أن "ترامب" يكافح حالياً من أجل تحسين مكانته بعد تراجع تقدمه في استطلاعات الرأي الأخيرة. قائلاً إنها صحيفة فاشلة، وتعاني من أزمة مالية، متوقعاً أن تغلق قريباً. خارج أمريكا! ولمواجهة التراجعات الحادة في مداخيلها، أعلنت الصحيفة في أبريل من هذا العام، عزمها استثمار 50 مليون دولار خلال 3 سنوات المقبلة؛ لتطوير محتواها الرقمي خارج الولايات المتحدة، مركَزة جهودها على المضامين الإلكترونية لجذب القراء الدوليين والإيرادات الخارجية، وأعلن مسيرو الصحيفة في بيان أنهم أكدوا للموظفين في الصحيفة أن النمو الدولي سيكون الأولوية التحريرية والتجارية للمجموعة". هل تصدر بـ"العربية"؟! وقد أصدرت نسخة من طبعتها باللغة الإسبانية هذا العام، وإذا كانت للصحيفة أجندة سياسية تجاه السعودية، فربما أيضاً للمأزق الاقتصادي الذي تعيشه الصحيفة دور في مخاطبة السعوديين، والسؤال هل تتحسّس الصحيفة فرصها المالية في الأسواق العربية وخاصة السعودية من خلال استفساراتها واهتمامها الملحوظ باللغة العربية لتصدر نسختها باللغة العربية؟ وما هي فرص نجاحها؟ "هافينغتون بوست" واسعة الانتشار في أمريكا وأوروبا سبقتها في إصدار النسخة العربية، ولم تجد رواجاً كما توقع القائمون عليها. صفر بالمائة! كما أن الصحف العربية والسعودية خاصة الورقية تحتضر في ظل البدائل السهلة على الإنترنت، وبالتالي فإن نسبة نجاحها في أعلى التقديرات الإيجابية لا تتجاوز صفراً بالمائة؛ فالقارئ العربي غير مستعد إطلاقاً للاشتراك بشكل شهري للحصول على نسخته الإلكترونية من أي صحيفة في ظل البدائل المتوفرة وهي بالعشرات، أضف إلى ذلك مستوى المهتمين من العرب بالقراءة وغير ذلك من المعوقات. "إسفين فشل" وعلى الرغم من تقاريرها الهيستيرية تجاه المملكة العربية السعودية طوال ما يقارب 15 عاماً مضت، استخدمت فيها عدة أساليب ماكرة؛ إلا أنها لم تجد صدى لمجهوداتها المكثفة، كما كان أبرز محاولاتها العبثية هي دق إسفين بين هيئة كبار العلماء ورجال الدين من جهة والقيادة في السعودية وفشلت، ثم جرّبت أساليب التشكيك في ولاء الشعب السعودي تجاه قادته وخابت وخاب مسعاها. ثم إلى السعوديات! ثم اتجهت إلى النساء في السعودية، وطلبت منهم إرسال قصصهم لعرضها في الصحيفة، وهو تصرف مضحك وغير متوقع حتى من صحف معادية! ولقد حاولت قبلها صحف وقنوات ودول وجماعات في استهداف السعودية، وتحطمت أوهامهم المريضة أمام صلابة وتوحد المجتمع السعودي الواعي، وبالتأكيد فإن صحيفة "نيويورك تايمز" ستنضمّ للقائمة السوداء، مع هذه المجموعات التي لن تجني إلا مزيداً من الفشل الذي بدوره سيسرع في نهاية المطاف بإفلاسها.