يقع الانفجار، تتعالى الصيحات وأبواق سيارات الإسعاف وقوى الأمن، تكثر التحليلات السياسية للحدث الأمني، وفي الخلاصة يذهب في كلّ مرّة عدد من الضحايا المدنيين الذين يُسارع الجميع إلى تلقيبهم بالشهداء باعتبار أنّ ذلـك يضــفي على الموت قيمة وطنية. لكنّ هذه الصفة لم تعد ترضي الشباب في لبنان، فمن قال إنّهم يريدون أن يكونوا شهداء؟ ومن كان يملك الحقّ في تقرير مصير فتيان وفتيات في مقتبل العمر مثل محمد الشعّار، ملاك زهوي، علي شهيدان، ماريا الجوهري وغيرهم الكثير من المواطنين اللبنانيين الذين كانوا يحتفظون بالكثير من الآمال للمستقبل؟ كلّ هذه التساؤلات تنقلها اليوم صفحة «I am not a martyr» (أنا لستُ شهيداً) على موقع «فايسبوك»، ولها «هاشتاغ» (#notamartyr) على موقع «تويتر». وكانت الصفحة انطلقت بعد مقتل الشاب محمد الشعّار الذي كان يصوّر نفسه وأصدقاءه قبل لحظات قليلة من وقوع انفجار وسط بيروت، من جانب ناشطين رفضوا أن يصبحوا شهداء أزمات خارجية ومؤامرات تُحاك لبلدهم. ولم تتبنّ جهة معيّنة إنشاء هذه الصفحة، بل هي أشبه بالمنتدى الذي يجمع الشباب اللبناني من مختلف الانتماءات والعقائد والأفكار ليعبّر عمّا يريده من وطنه. وبدل أن يكون شخص واحد يتحكّم بما يُكتَب، فالمساحة مفتوحة لكلّ من يرغب في ايصال رسالته وصوته الى العالم كلّه، بما أنّ الصفحة تحظى باهتمام الوسائل الإعلامية الأجنبية كما المحلية. إلا أنّه يجدر التوقف عند أولى الرسائل التي وضعت على هذه الصفحة، حيث عبّرت المدونة لونا صفوان عن رغبتها في البقاء في مدينة بيروت والاستقرار فيها ردّاً على كلّ من يحاول تهجير اللبنانيين من العاصمة. أمّا الشابة نايلة بدران فتطالب بمعاقبة كلّ القتلة وسوقهم الى القضاء ليحاسبهم. وسرعان ما خرجت مشاركات الشباب من الإطار الامني فقط لتعبّر عن أفكارهم وطروحاتهم في مختلف القضايا المحلية. فمايا سلطان لم تجد غير هذه الصفحة لتوصل رفضها للطائفية، وكذلك الامر بالنسبة إلى مهدي زيدان الذي يطالب بأن يكون إسمه هو فقط إسمه وليس مؤشراً للدين والطائفة والانتماء السياسي. وما يلفت أيضاً مشاركة الشباب اللبنانيين المهاجرين الذين ما إن وجدوا «هاشتاغ» #notamartyr حتّى أرادوا أن يكونوا مجدداً شركاء في القرار السياسي المحلي، فلما طبّارة التي تعيش في كندا تلجأ الى هذه الصفحة لتطالب بحقّ أولادها في أن يعيشوا في بلدهم بدل أن يبقوا مغتربين. إلا أنّ لما تشير الى المشاعر التي تنتابها في كلّ مرّة تزور لبنان إذ تشعر بالذلّ والقهر في كلّ مكان، اضافة الى مشاهد الدمار التي تدفن أحلام الشباب. كثيرون يتحدّثون بإسم الشباب اللبناني، وكلّ فريق سياسي يشد عصب جماعته، «لكن إذا أردتَ أن تعرف الرأي الحقيقي للشباب اللبناني، فيجب أن تلجأ الى مواقع التواصل الاجتماعي»، كما تقول الناشطة في المجتمع المدني سوزان فهد لـ «الحياة». وترى فهد أنّ اللبنانيين الذين فشلوا في التظاهر والاعتصام للمطالبة بحقوقهم لديهم حضور قوي في الإعلام الاجتماعي، وهم يتضامنون مع بعضهم بعضاً من خلال الصور والكتابات. لكن السؤال الذي يُطرَح في هذا المجال: الى أي مدى يمكن صفحة مثل «أنا لستُ شهيداً» أن تغيّر أي شيء في الواقع؟ وهل يكفي أن يندّد الشباب بالتفجيرات عبر «فايسبوك» و«تويتر»؟ تؤكد فهد أنّ مثل هذه الصفحات هي بمثابة «فشّة خلق» أو تنفيس للغضب المحتقن، إذ يشعر الشاب أنّه عبّر عن رأيه من خلال ما يكتبه، لكن التغيير الحقيقي يتطلّب خطوات جذرية أكثر ونزولاً الى الشارع لكي يلحظ السياسيون وجود شباب واعٍ لقضايا الوطن. وحتّى لو كانت مثل هذه الصفحة لا تغيّر المسار الامني والسياسي في لبنان، فهي تعيد التذكير بأنّ هناك فئات واسعة من المجتمع ترفض أن تكون أرقاماً وتبحث عمّن يمثلّها في بلدها، وأنّ الشباب اللبناني يعيش أتعس لحظاته في ظلّ الوضع الراهن إذ يرى أنّ الوطن الذي يريد العيش فيه يتناثر شيئاً فشيئاً مع كلّ انفجار وهزّة أمنية. لبنانالشهيدشبابشهداء