×
محافظة المنطقة الشرقية

انطلاق الاجتماع الـ20 لوزراء بلديات الخليج.. اليوم

صورة الخبر

قبل نحو ثلاثة أو أربعة عقود، كان تلاميذ المدارس يسألون بعضهم البعض «أنت مسلم أو مسيحي؟»، وكان السؤال في حينها عفوياً مقبولاً غير مذموم. فلعله كان من باب حب الاستطلاع، أو من باب العلم بالشيء، أو على سبيل التعارف والتقارب. وبمرور السنوات، تحول الغرض من السؤال الفصل بين «من منا ومن ليس منا»، وتحديد دائرة الأصدقاء، وتصنيف الغرباء فيها، وإبلاغ القاصي والداني بأن فلاناً مسيحي. فالمسلمون في مصر غالبية، وقوى التطرف كانت قد استهلت عملها بقوة ومنهجية وتخطيط وترتيب بطول البلاد وعرضها. وحين عُرِض فيلم «لا مؤاخذة» (قصة وسيناريو وإخراج عمرو سلامة)، ضحك من شاهد الفيلم على الطفل المسيحي الصغير الذي مات أبوه فاضطرت أمه، لضيق ذات اليد، لأن تلحقه بمدرسة حكومية بعدما كان تلميذاً في مدرسة أجنبية حيث «وصمة» الانتماء الى دين غير دين الغالبية أخف وطأة. فالطفل اختار أن ينفي عن نفسه هويته الدينية خوفاً من تهميشه من أقرانه، أو اضطهاده من المعلمين، ورغبة في أن يكون ضمن المجموعة وليس «لا مؤاخذة» مسيحياً. ضحك بعض المشاهدين كان أقرب ما يكون إلى البكاء، وهم المشاهدون الأكبر سناً الذين عاصروا عهداً كان طلاب المدارس والجامعات يتصادقون ويتقاربون ويتشاجرون لأسباب غير عقائدية. شهدوا زمناً كان فيه الدين لله والوطن للجميع، وذلك قبل أن يتحول الوطن ملكاً لفئة بعينها بناء على انتماءات عقائدية ومظاهر شكلية. شكل الاسم لم يكن مألوفاً لمسؤول وزارة التربية والتعليم وهو يقرأ أسماء أوائل الشهادات. تأتأ قليلاً ثم تنهد، وأخيراً نطق اسم الطالب المتفوق Careless Zarif، المهزلة الحقيقية لم تكن في كيرلوس الذي تحول Careless ومعناها قليل الاهتمام، لكنها كانت في عدم إبداء الحاضرين استنكاراً أو تحفظاً أو حتى تعجباً. العجب الحقيقي كان مع بزوغ، ثم زيادة، وبعدها انتشار أسئلة يوجهها الأهل والطلاب الأكبر سناً الى رموز دينية في مدنهم وقراهم ونجوعهم على شاكلة «هل مصادقة ابني للمسيحي حرام؟» أو «ما حكم تناول الطعام في بيت جار مسيحي؟» أو «لي صديقة مسيحية أحبها لكن أخشى أن أغضب الله بمصادقتها»، وذلك من دون أن تستوقف تلك الأسئلة جهة دينية عقلانية، أو مرجعية فقهية منطقية، أو حتى هيئة بحثية اجتماعية أو نفسية. ومع قدوم عصر تقنية المعلومات وتيسّر سبل الوصول إلى «المعلومة» من أي مصدر، ذاع صيت فتاوى الإنترنت. وعلى سبيل المثل لا الحصر، جاءت في أحد المواقع النسائية المصرية المنتشرة بين فئات بعينها من طالبات الجامعات وربات البيوت، مجموعة من الأسئلة المتشابهة. «أحبك ربي» طلبت المشورة في مشكلتها المستعصية. «لي زميلة في الجامعة على غير ديني. هي تحبني جداً، ليس لأني مسلمة ولكن لأنني أعاملها ورفيقاتها من ملتها بطريقة حسنة وأطبطب عليهن. ويعلم الله أنني أفعل ذلك حتى يعلمن أن إسلامنا جميل، لا سيما أن أكثر من بنت منهن أسلمت. فهل أنا مخطئة؟»، استفسار «أحبك ربي» شجّع حائرة أخرى أن تسأل عن حكم محبتها أيضاً لصديقة من ديانة أخرى، وتزوران بعضهما البعض، لدرجة لا يمر يوم من دون أن تتحادثا. وتضيف: «حاولت مراراً أن أتحدث معها عن الإسلام، وكانت تنصت لي، لكن سرعان ما تتناسى ما قلته لها ما أن تعود إلى أهلها في البيت. فهل صداقتي لها معصية؟»، وأخيراً، تأتي الإجابة الشافية المتفجرة، فـ «الكافر ليس أخاً للمسلم. الكافر – وثنياً أو مجوسياً أو شيوعياً أو علمانياً أو غير مؤمن بنبينا (ص) - ليس أخاً للمسلم، ولا يجوز اتخاذه صاحباً وصديقاً. ولو أكل معنا في وليمة عامة، لا بأس، شرط عدم اتخاذه صاحباً». وعليه، جاء قرار رئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر نصار، قبل أيام، «إلغاء خانة الديانة كبيان في الشهادات والمستندات والأوراق كافة التي تصدرها أو تتعامل بها جامعة القاهرة مع طلابها أو العاملين فيها أو أعضاء هيئة التدريس أو الهيئة المعاونة أو الغير على أي وجه كان، وفي جميع الكليات والمعاهد والمراكز سواء للمرحلة الجامعية الأولى أو الدراسات العليا»، على أن تنفذ الجهات المختصة في الجامعة القرار اعتباراً من صدوره في يوم 11 الجاري. وصرح نصار بعدها غير مرة، بأن سبب هذا القرار هو أن عدداً كبيراً من الطلاب يتّهم الجامعة بالتمييز بسبب الديانة، وأن طلاباً مسيحيين شكوا من تعرّضهم للتمييز السلبي بسبب ديانتهم، وأنه (نصار) يريد «تفكيك هذه الثقافة». هذه الثقافة أقامت الدنيا ولم تقعدها. وبدأت الاتهامات بـ «العلمانية» ومعاداة الإسلام، وترافقت مع إسقاطات سياسية على النظام «الانقلابي» الذي قطع طريق الجماعة على تطبيق شرع الله، وصولاً الى صدمة في الشارع بين الفئات التي سلمت عقولها وقلوبها لبعض الدعاة. هؤلاء الدعاة أنفسهم من حاول نفي تهمة «التحيز» و»التطرف» عن فتاواه قائلاً أن المقصود بخانة الديانة هو التعريف وليس التمييز. أولئك بالطبع لم يعرجوا على فتاواهم المحرمة للسلام على المسيحي، أو تبادل التهنئة معه، أو مشاركته مائدة طعام واحدة، وإن كان الزواج من نسائهم مسموحاً وغير مكروه. آخرون لم يتكبدوا عناء تبرئة ساحتهم أو تزيين توجهاتهم وصبوا جام الغضب وكل الهلع على نصار. وعلى الموقع الرسمي للدعوة السلفية، سأل أحدهم: «قرأتُ عن قيام جابر نصار بإصدار قرار بإلغاء خانة الديانة مِن التعاملات الورقية والشهادات منعاً للتمييز بيْن الطلاب! فما رأيكم بهذا الكلام؟». ورد برهامى قائلاً: «العجيب أن عامة أوراق الجامعات ليست فيها أصلاً خانة الديانة، ربما إلا في الأوراق الشخصية للطلاب المتقدمين، كالبطاقة الشخصية، ونحوها، مما لا يملك أحدٌ تغييره، ونسأل الله أن يهديه، فإن لم يهده أن ينتقم منه، لما ينفذه مِن أجندة غربية خبيثة تهدف إلى إلغاء هوية الأمة، والدولة المصرية التى ينص دستورها على أن دينها هو الإسلام»، نافياً أن يكون الطلاب المسيحيون يتعرضون للتمييز، بل موجهاً الاتهام إلى نصار نفسه «الذي يمارس التمييز ضد طائفةٍ لاعتقادها الديني»، قاصداً «المنتقبات لاعتقادهن بوجوب النقاب أو استحبابه». ويبدو أن الحرب الموجهة ضد القرار كانت متوقعة. وبعيداً من اعتراض نصار على الاتهامات الموجهة إليه من الجبهة السلفية، إلا أنه أكد أن «هناك قرارات لإصلاح المنظومة التعلمية أحيانًا تكون غير شعبية، لكن لا تقاس بمن يرضى ومن لا يرضى». يشار إلى أن منظمات حقوقية دعت على مدى سنوات، إلى إلغاء خانة الديانة من بطاقة الهوية الشخصية، وهي الدعوة التي كانت تقابل بين العامة بكثير من التجهم والتهكم والتكهن، فقد مال المجتمع على مدى أربعة عقود ماضية، إلى التشدد والتطرف ورفض الآخر أو على الأقل النظر إليه بعين الشك. أبرز تلك الجهود بذلتها «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» التي دعت إلى مناقشة المسألة في ضوء التوترات الطائفية، والتي كانت واضحة قبل ثورة كانون الثاني (يناير) 2011 وبعد خلع الإخوان من الحكم في 2013. ولفتت المبادرة إلى أن «هذا التوتر يتمثل في الشعور المتنامي لدى الغالبية المسلمة – بصرف النظر عن صحة هذا الشعور – بأن كل خطوة تتخذ لتقليل التمييز ضد مصريين من غير المسلمين تعد حسماً من حقوق المسلمين، وتدليلاً لغيرهم تحت ضغوط خارجية». اللافت أيضاً، أن الانتقاد الأبرز الموجه الى قرار جابر نصار جاء من وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور أشرف الشيحي! الأخير يرى أنه لا توجد أية تفرقة بين الطلاب بسبب الديانة، وأنه ربما تكون في جامعة القاهرة حالة استثنائية، مؤكداً أن «الكلام ده بيعمل فتنة، وعيب نتكلم فيه». وصحيح أن تلك التصرفات غير منصوص عليها قانوناً أو دستوراً، لكنها باتت متجذرة في العرف الشعبي المصري نتيجة عقود من نمو دولة دينية موازية للدولة المدنية، لكن تحت رعايتها. ذلك علماً أن الطلاب، لا سيما الطالبات في المدارس الحكومية، لم يعودوا في حاجة إلى سؤال بعضهم البعض إن كانوا مسلمين أم مسيحيين. فإدارات الكثير من المدارس تجبر الـــطالبات على ارتداء «طرحة» بيضاء. وفي حال لم تفـــعلن، يتم التأكد أنهن «لا مؤاخذة» مسيحيات أم مسلمات غير ملتزمات وهنا الطامة الأكبر.