×
محافظة الرياض

عمومية القدم ترفض التمديد وتختار صناديق الاقتراع

صورة الخبر

(اللهمَّ اهْدِ دَوساً وَأْتِ بهم) هذه الكلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين جاءه الطفيلُ بن عمرو الدَّوسيُّ، يشكو إليه قومَه قبيلة دَوس، قائلا: (إنَّ دوسا قد هلكتْ، عصتْ وأَبَتْ، فادْعُ الله عليهم) فظن الناسُ أن رسول الله سيدعو عليهم، غير أنه صلوات ربي وسلامه عليه قال: (اللهمَّ اهْدِ دَوساً وَأْتِ بهم) ومثل هذا حصل مع ثقيف، ذلك أن القبائل من ثقيف وهوازن ساءهم دخول الإسلام مكَّة، فاجتمعوا وأمَّروا عليهم سيد هوازن مالك بن عوف، وأجمعوا على قتال المسلمين، فوقعت معركةُ حنين، وهُزم الجمع وفرُّوا مع قائدهم مالك بن عوف إلى الطائف، وتحصنوا في حصنها، وأغلقوه عليهم، وصار رُماتهم يرمون المسلمين بالنَّبل، ووقع منهم أذى كثير للمسلمين، غير أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى -رحمةً بهم- ألا يضيِّق عليهم الحصار، فأمر بالرحيل، قيل: يا رسول الله ادع على ثقيف فقد أحْرَقَتْنا نبالُهم، فقال: (اللهم اهْدِ ثقيفا إلى الإسلام وَأْتِ بهم مسلمين) وكان مِن هَدْيه إذا قيل له: يا رسول الله ادْعُ على المشركين، أنْ يقول: (إني لم أُبْعث لعَّاناً) ويقول: (إنما بعثْتُ رحمةً ولم أُبْعث عَذَابا) فلم يُطلب منه أنْ يدعو على أحدٍ إلا ودعا له، وما هذا إلا أنَّه نبيُّ الرحمه وأنه بُعث رحمةً، وقد قال الله له: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) فرحْمَتُه للناس عامَّة وللمؤمنين خاصة، فأما رحمته للمؤمنين فلأنه سببٌ لسعادتهم في الدنيا بما جاء به مِن أحكام وتشريعات، ولأنه كذلك سبب سعادتهم في الآخرة، وأما رحمته للكافرين فلأن اللهَ لم يُهلكهم كما أهلك الأمم السابقة، وذلك بسببه صلوات ربِّي وسلامه عليه، كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) فهذا الدين قوامُه هدايةُ الخلق، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأنْ يهديَ اللُه على يديك رجلاً، خيرٌ لك مما طلعتْ عليه الشمس) فأوثق عرى الإسلام هو الحب في الله والبغض في الله، فإن مصدرهما واحدٌ، وهو الرحمة للعالَمين، بدافع من الغَيرة على الخلق، لا الغَيرة منهم، ولا الحقد عليهم، فإذا أحبَّ المؤمنُ أحداً، فإنما يحبُّ ما هو عليه مِن استقامةٍ وصلاح، فيحبُّه سروراً بهدايته وفرحا بتلبُّسه بالطاعة وبسلوكِهِ سَنن المهتدين، وإذا أبغض أحداً، فإنما يبغض ما هو عليه من شرودٍ وانحراف، رحمةً به وشفقةً عليه، بدافعٍ مِن الغَيرة عليه، فَيَكرَهُ تلبُّسَ العاصي بالمعصية وتلبُّس الكافر بالكفر، أما الحبُّ والبغض لحظوظ النفس، فمصدرهما الانتصارُ لأهواء النفس، مثل مَن يُحبُّ شخصاً لمالِهِ أو لجاهِهِ أو لقرابته، وربما أحبَّهُ لانتمائه لبلدٍ مِن البلاد، أو ينحاز له لانتسابه لجماعةٍ أو حزب، ومثل مَن يبغض أحداً أنانيةً أو حقداً عليه، أو حسداً له، أو انتصاراً لقبيلته أو لبلده أو لحزبه، فهذه حظوظٌ دنيوية، وما أكثر ما غفل عن هذا المعنى بعضُ الدعاة، بل غفلتْ بعضُ الجماعات الإسلامية، فعادَى بعض الإسلاميين بعضا، اتِّباعا لحظِّ النفس، وهم يَظنُّون أنَّ معاداتِهم انقيادٌ لأمر الله، لأنَّ حظَّ النفس في الطاعة باطنٌ وخفِيٌّ، كما قال ابن عطاء الله، فَلِهَوَى النُّفوس سريرةٌ لا تُعلم، فللنُّفوس في الحكم على الغير لذَّةٌ عظيمة، وشهوةٌ وأيُّ شهوة، فممَّا يستطيبُه الإنسانُ تزكيةُ نفسه واتِّهام الغير، وأخطر ما يواجه الداعيةَ إلى الله أنَّه يجد لذَّةً في اتِّهام الآخرين، من الإسلاميين وغير الإسلاميين، أفرادا وحكومات، فكم في الدعاة مَن جعل همَّه كشْفَ عيوب غيره، وقد يتلاعب به الشيطان، فيتَّهم مَن لم يُشايِعْهُ بالتَّزلُّف والنِّفاق، وفاتَه أنَّه يتزلَّف للنَّاس بظهوره أمامهم بمظهر الأسد، ولو أنصف الداعيةُ لعَلِمَ أنَّ احتسابَه إنْ كان لله، لَوَجدَه ثقيلاً على نفسه، ولَوَدَّ لو انكفَّ العاصي بغير احتساب، وودَّ أنْ يَحتسب غيرُه على هذا العاصي، بخلاف الحسْبَة لحظِّ النفس، ففيها لذَّةٌ وإرضاءٌ لِهَوَى النَّفس، وما كان هذا هدْياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لصحابته الكرام، وقد نبَّه الإمامُ أبوحامد الغزاليُّ رحمه الله إلى هذه الآفة، فنَصَحَ المحتسبَ أن يدعو المقصِّرين بباعث الرحمةِ شفقةً بهم، وأنْ يَنظر إليهم بعين المترحِّم عليهم، وأنْ يرى أنَّ إقدام العصاة على المعصية مصيبةٌ عليه، ونبَّه المحتسبَ إلى أنَّ الباعثَ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر، إنْ لم يكن رحمةً بهم، كان المنكِرُ أقبحُ في نفسه مِن المنكَرِ الذي يَعترض عليه.