خيري منصور ما من شريحة أو فئة في المجتمع العربي تعرضت للإدانة والحكم بالجملة كفئة المثقفين على اختلاف الأسماء التي تحملها. والخطأ الشائع في هذا السياق هو التعميم، وكأن هذه الفئة متجانسة تماماً، وتعيش في قارب واحد! ومن المعروف تاريخياً، أن المثقف ليس حالة مطلقة وبلا حدود، وهذا ما عبر عنه المفكر الإيطالي غرامشي حين قال إن لكل فئة أو طبقة مثقفين يعبرون عن هواجسها وأشواقها. وفي عالمنا العربي هناك مثقفون تشبثوا بجمرة الحقيقة حتى احترقوا، كما أن هناك شهود زور لديهم الاستعداد أن يقولوا إن الأرض شبه منحرف ولا تدور، أو إن الشمس تشرق من الغرب! وهذه ظاهرة كونية وليست حكراً على جنس أو لون أو ثقافة، لهذا لا يحق لأحد أن يخلط القمح بالزؤان والصالح بالطالح خصوصاً في مجال الفكر الذي طالما كان ميداناً للسجالات والخلاف والتنوع! وكما أن لدينا في ثقافتنا من يضرب بهم المثل لأنهم فضلوا الإيثار على الإثرة والعام على الخاص، فإن هناك أيضاً من تحولوا إلى أمثولات بسبب مواقف مشكوك في نواياها ومرجعياتها. والثقافة ككل ميدان آخر فيها متسع للبطل والكومبارس والفادي والخائن، لهذا يصبح التعميم افتراء وخلطاً متعمداً يتطلب فك اشتباك، وهذه مهمة نقدية بامتياز، لكن النقد بمعناه المهني في العالم العربي يعاني بطالة لأسباب عديدة في مقدمتها الخشية من التأويل أو تجنب الاحتكاك، لأن تقبل النقد يشترط درجة عالية من التأهيل النفسي والمعرفي! في أعقاب كل هزيمة أو أزمة يدان المثقفون بالجملة، ويقال إنهم الدليل الذي خان أهله وخذلهم. وقد يكون هذا صحيحاً قدر تعلقه بمن أعلنوا الطلاق البائن والقطيعة مع مجتمعاتهم وأوطانهم وتاريخهم، لكن هؤلاء ليسوا الأكثرية بل استثناءات لا ترقى إلى الظاهرة! إن الأحكام والفتاوى بالجملة لها ضحايا جديرون بأن يعاد إليهم الاعتبار!