×
محافظة المدينة المنورة

مختبر أمانة المدينة يُحلل حوالى 16 ألف عينة خلال عام

صورة الخبر

أثار قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) الأخير حول القدس ردة فعل رافضة من قبل دولة الاحتلال وصلت إلى درجة أن نتنياهو وصفه بأنه هذيان. لماذا حصل ذلك ؟ وكيف تفهم دولة الاحتلال هذا القرار ومدلولاته وتبعاته؟ بداية لا بد من الإقرار بأن قرار اليونيسكو كما صدر، يشكل إنجازاً مهما للقضية الوطنية الفلسطينية ذاتها، وإنجازاً أيضاً للنضال السياسي/ الدبلوماسي الفلسطيني بدعم ومشاركة من العرب. القرار أيضاً يعد لطمة للدبلوماسية الإسرائيلية وعنجهية دولة الاحتلال بشكل عام، وحلقة في طوق العزلة الدولية الذي يزداد تضيقاً حولها. القرار المذكور لم يكن الأول من يونيسكو بل سبقه أكثر من قرار، كان آخرها في إبريل/ نيسان الماضي، بإدانة الاعتداءات والإجراءات الإسرائيلية غير القانونية ضد حرية العبادة ودخول المسلمين إلى المسجد الأقصى، ومهما استشاطت دولة الاحتلال غضباً واتهاماً، وقد تركز الغضب على الدولة الفرنسية التي أيدت ذلك القرار، واتخذت دولة الاحتلال من ذلك ذريعة لمعارضة المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي حول الوضع في فلسطين، والقرار لن يكون الأخير فهناك مثلاً اجتماع للجنة التراث العالمي وعلى جدول أعمالها المشروع الأردني المعنون بلدة القدس القديمة وأسوارها. القرار في مرحلته الأولى صدر عن لجنة فرعية ليونيسكو بأغلبية الأصوات. وقد أسرعت دولة الاحتلال في التصعيد ضده والتشكيك في مواقف الدول التي أيدته وفي منظمة اليونيسكو نفسها ودورها وأعلنت فوراً مقاطعتها للمنظمة. كان أحد أهدافها من وراء التصعيد، الضغط والابتزاز حتى لا يتم اعتماد وتثبيت القرار بشكل نهائي من قبل المجلس التنفيذي لليونيسكو، واستنفرت لذلك ماكينتها الدبلوماسية وماكينات الجهات التي تدعمها. لكنها فشلت في ذلك، وأكد المجلس التنفيذي القرار بشكل نهائي. - القرار الحالي لم ينف وجود الأديان السماوية الأخرى بالقدس وكل فلسطين، وحقها في الوصول إلى أماكنها المقدسة وممارسة عباداتها بحرّية، بل أدان دولة الاحتلال وسياساتها وأجهزتها لنفيها ومنعها الديانات الإسلامية والمسيحية واتباعهما من القيام بذلك. - القرار الحالي لم يخترع شيئاً جديداً لم يكن قائماً من قبل. بل هو تعامل ودافع عن حقائق مؤكدة ومترسخ وجودها منذ قرون طويلة، وكان آخرها قبل أكثر من ألف سنة. وهي حقائق تنفي تماماً كل وأي أوهام وادعاءات عن وجود كان قائماً قبل أكثر من 2500 عام، ولم تنجح كل محاولات البحث والتنقيب الجائرة والمخربة في استخراج إثباتات ملموسة وذات صدقية على وجوده، وأبقته بذلك، في باب الادعاءات المسيسة، والموجهة لخدمة الاحتلال واستمراره. - القرار الحالي، صب في مجرى تأكيد الموقف الأممي والقرارات الأممية حول القدس باعتبارها جزءاً لا ينفصل، بل هي في المركز، من الأرض الفلسطينية المحتلة. وتعاملت تفاصيل القرار مع هذه الحقيقة. ومع حقيقة أن الوجود الإسرائيلي في القدس الشرقية هو وجود سلطة احتلال / قوة احتلال وان سياساته وممارساته وإجراءاته بالقدس هي ترجمة لهذا الاحتلال - والقرار، يؤكد وجود جهة أخرى غير جهات وهيئات دولة الاحتلال مسؤولة عن الأماكن الإسلامية المقدسة بالمدينة. ويطالب القوة المحتلة بإتاحة العودة إلى الوضع التاريخي الذي كان قائماً حتى سبتمبر/أيلول 2000 إذ كانت هيئة الأوقاف الإسلامية الأردنية هي السلطة الوحيدة المشرفة على شؤون المسجد. كما يطالب القوة المحتلة بعدم الاستمرار في الحفريات وتغيير معالم المدينة القديمة. - والقرار، يتعارض حتى النفي المطلق، مع ادعاء وإعلان دولة الاحتلال بأن القدس قد توحدت بعد احتلال 1967 بشرقها وغربها، قديمها التاريخي وحديثها، تحت الإدارة الواحدة، وبوصفها العاصمة الأبدية الموحدة لدولة الاحتلال. ما تقدم في جوهره وتفاصيله، يكشف عن أول العوامل الأساسية وراء موقف دولة الاحتلال الهستيري من قرار اليونيسكو حول القدس، وهو عامل تعمق المحتوى المغرق في يمينيته وعنصريته وفاشيته للغالبية الكاسحة في مجتمع دولة الاحتلال وحكومته وقواه. وفي صلب هذا المحتوى رفض الآخر الفلسطيني، ورفض الاعتراف بوجوده، وبأي حقوق له. ويجد هذا المحتوى تعبيراته المفصلية في التالي: * مبدأ يهودية الدولة ووجوب الاعتراف بها كما تحاول دولة الاحتلال فرضه، بكل ما يعنيه من ترجمات تتعلق بمجتمع دولة الاحتلال ذاته وقوانينه وعلاقاته الداخلية، ثم بعلاقاته مع الآخر وبالذات الفلسطيني. وفي التمسك باستمرار احتلال الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني. وفي الإصرار على استمرار الاستيطان وتوسعه بلا حدود أو قيود. وفي الرفض المبدئي الثابت لقيام أي كيان فلسطيني مهما كانت طبيعته وحدوده وصلاحياته وشروطه. } أما ثاني العوامل الأساسية وراء موقف دولة الاحتلال الهستيري من قرار يونيسكو، فهو أنه يأتي في توقيت يتزامن مع مخاوف تعيشها ويصب في مجرى تعزيزها: التخوف الأول، يأتي من حالة المقاومة الشعبية المتصاعدة والمستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي تعبر عن نفسها بعمليات فردية وجريئة ضد قوات الاحتلال وضد مواقعه ومستوطنيه. وهي تسهم بشكل رئيسي في استمرار القضية الوطنية الفلسطينية، بما هي في جوهرها قضية شعب وأرض تحت الاحتلال، مدرجة على أجندة المجتمع الدولي وهيئاته الرسمية والشعبية. التخوف الثاني، من التحركات الدولية الرسمية المتنشطة في إطار هيئة الأمم المتحدة وهيئاتها التي تسعى في مجملها وجوهرها إلى استصدار قرار ضد الاستيطان أو التوصل إلى خطة دولية لمعالجة الوضع الاحتلالي في فلسطين، وهو ما لا تقبل به أو تطيقه دولة الاحتلال. فهي تتمسك بالمفاوضات المباشرة مع الطرف الفلسطيني كمسار وحيد، لأنه يتيح لها، بحكم توازن القوى وحقائق الواقع الاحتلالي، التحكم بذلك المسار وتحويله إلى مفاوضات ماراثونية بلا أهداف محددة ولا برنامج زمني، وبلا نتائج تخرج عنها إلا تكريس الأمر الواقع الاحتلالي. وقد تزامن صدور القرار فعلاً مع نقاش غير رسمي جرى في مجلس الأمن حول الاستيطان وضرورة وقفه شارك فيه مدير منظمة بتسيلم الإسرائيلي مطالباً أيضاً بوقف الاستيطان والتوصل إلى حل عادل. وقد وصف السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة النقاش بأن الحديث يدور عن إرهاب دبلوماسي من جانب السلطة الفلسطينية التي تبحث بكل السبل الممكنة للالتفاف على المفاوضات المباشرة. كما يتزامن مع التحضير لمشروع قرار فلسطيني ضد الاستيطان يحظى بالموافقة العربية. التخوف الثالث، ويتداخل مع التخوف الثاني، وهو حصول تغيير في الموقف الأمريكي، في فترة الانتقال الرئاسي، تقوم به الرئاسة الأمريكية، بدعم قرار أممي يصدر عن مجلس الأمن أو الجمعية العمومية لا يتفق مع مواقف وتطلعات دولة الاحتلال. أو لا تمارس الفيتو ضده. التخوف الرابع، هو التصاعد الملموس في اتساع وانتشار وتنامي فعل وتأثير حركة المقاطعة العالمية لدولة الاحتلال التي تقودها منظمة البي دي اس في أكثر من مجال اقتصادي وأكاديمي ونقابي، والتي يتنامى معها طوق العزلة الدولية على دولة الاحتلال. وأخيراً فإن القرار ينسف كل الأساطير التلمودية التي تقوم عليها دولة الاحتلال، ومن بينها وجود ما يسمى هيكل سليمان في مكان المسجد الأقصى، أي سحب ذريعة تعتمد عليها الصهيونية في وجودها وفي وجود إسرائيل. صادق الشافعي lenco85@hotmail.com