اعتادت السويد اعتبار نفسها دولة منفتحة ومتسامحة، وقد حققت نجاحاً كبيراً في دمج الوافدين الجدد في مجتمعها، لكنها بدأت أخيراً بإقفال حدودها، ورفض طلبات اللجوء، وإعادة المهاجرين إلى موطنهم، إلا أن ما أساء حقاً إلى صورة هذا البلد كان طريقة تعاطيه مع الأولاد اللاجئين، علماً أن هذه قصة محزنة تحمل فيضاً من الإشارات التحذيرية لبريطانيا. ترتبط مشكلة السويد بحجم تدفق اللاجئين، في عام 2004 كانت السويد تستقبل نحو 400 ولد سنوياً، ولكن بحلول عام 2011 ارتفع العدد إلى 2600، ثم حلت موجة الهجرة الكبيرة، ذلك الزحف المذهل من المهاجرين الأفارقة والشرق أوسطيين عبر أوروبا، زحف ضم مجموعة من الفقراء الطامحين والهاربين من الحرب، فاستقبلت السويد العدد الأكبر من طالبي اللجوء مقارنة بعدد شعبها، ففي عام 2015 طلب نحو 163 ألف شخص اللجوء في السويد، وكان أكثر من خُمسهم (نحو 35000) من الأولاد. اضطرت السويد إلى تأمين 70 ألف مكان إضافي في المدارس في بلد يعاني أساساً نقصاً في المدرّسين، والأسوأ من ذلك ألا شيء أعدّته السويد للاستغلال الذي تعرض له نظامها الذي يعتمد اللجوء من مجموعة من المجرمين والفاسدين. وفي شهر يناير استقبلت السلطات السويدية في مراكز اللجوء ما لا يقل عن 70 فتاة اتضح أنهن عرائس صغيرات، وفي ذلك الشهر عينه أشارت التقارير إلى تعرض ألكسندرا مزهر، عاملة في أحد مراكز اللجوء في مولندال قرب مدينة غوتنبرغ، للطعن حتى الموت على يد صومالي مريض نفسياً ادعى أنه في الخامسة عشرة من عمره. ولا تُعتبر هذه الحادثة استثناء، ففي شهر ديسمبر عام 2015 اغتصب أفغاني يُدعى علي بهماني فتاة في الخامسة عشرة من عمرها في عيادة للطب النفسي مخصصة للأولاد في استوكهولم، وزعم بهماني أنه في السادسة عشرة من عمره، إلا أن فحص الأسنان أظهر أنه في التاسعة عشرة تقريباً. نتيجة لذلك أُرغمت السويد على مواجهة احتمال ألا يكون كل طالبي اللجوء الأولاد أولاداً بحق، وهذا احتمال مخيف بالتأكيد، لذلك عمل المسؤولون في هذا البلد عام 2015 على تعديل سن نحو 667 قاصراً، مع أننا لا نعلم ما إذا اعتُبروا جميعاً بالغين. علاوة على ذلك بدّلت السويد سياسة اللجوء التي تتبعها لتتماشى مع الشعبوية اليمينية، فتشهد المساعدات الاجتماعية ومساعدات الإسكان المخصصة للاجئين تخفيضاً، وخلال الأشهر التسعة الأولى من هذه السنة، غادر نحو 14 ألف مهاجر البلد، علماً أن 13 ألفاً منهم رحلوا طوعاً، وتفادى كثيرون الترحيل بالهرب والاختفاء، وتؤكد الشرطة أنها تجهل مكان نحو 12 ألف مهاجر. وتشكّل السويد مثالاً بارزاً يبرهن أن حسن النوايا يؤدي أحياناً إلى عواقب مختلطة، فيسعى مَن يعيشون في دول العالم النامي إلى الرحيل، وقد نميل إلى فتح الباب أمامهم، لكن عددهم كبير، كذلك نرى اليوم خليطاً من اللاجئين والمهاجرين الاقتصاديين، حتى إن بعضهم مجرمون، لذلك من المنطقي أن نركّز كل اهتمامنا على ضمان الاستقرار والتنمية في بلادهم بدل تشجيعهم على الهجرة بأعداد كبيرة إلى دولنا، أما إن قررنا قبول اللاجئين بأعداد كبيرة، فيرغب الناخبون في معرفة ما إذا كانوا لاجئين بحق، وإذا انتشرت فكرة أن حسن ضيافتنا يُستغل وأن القواعد تُنتهك، فلا شك أن الرأي العام سيتبدل في الاتجاه المعاكس. وباتت حياة المهاجرين في السويد اليوم أكثر صعوبة وتعقيداً بكثير، وازداد عدد الاعتداءات العنصرية، فضلاً عن أن احتمال بقاء المهاجر عاطلاً عن العمل يبلغ الضعف، مقارنة بالسكان المحليين. وعلى الليبراليين توخي الحذر إذ تتراكم الأدلة التي تثبت أن الحدود المفتوحة لا تلقى الترحيب، وأنها لن تبقى مفتوحة طويلاً لأن عمل الإحسان الكبير هذا سيتبعه على الأرجح عدم تسامح جماعي، كما يؤكد طالبو اللجوء في السويد. * «ذي تليغراف» * تيم ستانلي