يستذكر المتابعون ما نشرته صحيفة" نيويورك تايمز"عام 1966 في سلسلة مقالات عن العمل السري للمخابرات المركزية الأميركية التي وصفتها الصحيفة بـ"الفيل الهائج" الذي يدمر ساحة السياسة العالمية المعشبة، حيث نشرت حينها تفاصيل عن اهتمام الحكومة الأميركية بكبار مثقفي الغرب لكي تعطي عملياتها ثقلا ثقافيا. وفي هذه الأيام أحيا الخطاب الإعلامي الدولي مصطلح "الحرب الباردة" الذي ظل شائعا على مدى عقود منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، حتى مطالع التسعينيات لحظة تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث تداولت وسائط الميديا المصطلح أخيرا، على وقع أحداث سورية، والصدام المعلن وغير المعلن بين الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا "وريثة الاتحاد السوفيتي"، ومن منطلقات ورؤى لدى البعض ترى في الصراع خلفيات ثقافية إلى جانب البعد السياسي والاقتصادي. غير أن البعد الثقافي لهذه الحرب في ثيابها الجديدة، ظل متواريا، حتى إعلان فوز الموسيقي الأميركي "بوب ديلان" بجائزة نوبل للأدب هذا العام، ما أعاد للواجهة دور "القوى الناعمة" في المواجهات الثقافية بين القطبين، عبر النشاط الثقافي، معليا تساؤلات واسعة عن مدى إمكانية استعادة تلك الأدوار الثقافية التي تنظمها وتديرها الاستخبارات، رغم متغيرات العصر. الموهوبون والثقافة الأميركية يتساءل كثير من المراقبين عن مبرر استمرار الدور الذي كانت تلعبه وكالة المخابرات الأميركية الـ"سي آي ايه" في استخدام الثقافة كسلاح على غرار ما كان إبان حقبة الحرب الباردة؟ خاصة في ظل القول الآن بعودة للحرب الباردة (صراع القطبين) بثياب ومفاهيم جديدة؟ وهنا يلتقط الناقد الدكتور سعد البازعي المتخصص في الأدب الإنجليزي، السؤال ويقول معلقا لـ"الوطن": أعتقد أن الـ"سي اي ايه" وغيرها من الاستخبارات لن تتردد في استخدام أي سلاح عند الحاجة، ومن ذلك السلاح الثقافي لكن ربما بصيغ مختلفة. ويضيف: سمعت أن ورش الكتابة الإبداعية التي تعقد سنويا في جامعة "أيوا" الأميركية إحدى الوسائل لاجتذاب الموهوبين لصالح الثقافة الأميركية من الزاوية الرسمية، وإذا كانت أميركا قد نجحت إلى حد بعيد في ترويج ثقافتها ونموذجها في أصقاع العالم عبر " السينما والموسيقى"، فإن هناك ما هو مختلف الآن، مع تغير المعطيات، وتطور وسائل الاتصال، هل بقيت أفكار المواجهة، ولم تتغير سوى الآليات، أم أن الأمر أصبح أكثر تعقيدا نتيجة انكشافه؟ يجيب البازعي عضو مجلس الشورى السعودي قائلا: الانكشاف يؤدي إلى تطوير الوسائل تفضيلا لما هو أكثر رهافة وإقناعا فما الذي يفوق في براءته تطوير المهارات الأدبية؟