مكّنت موجة الحنين إلى عهد الأمن والاستقرار الذي ميّز ليبيا طيلة 40 سنة فرصة مناسبة لأنصار معمر القذافي لأجل توحيد قواهم من جديد بتشكيل تحالف عسكري في منطقة الجنوب. فهل يعد ذلك بداية عودة أنصار النظام السابق إلى السلطة أم أنها خطوة نحو مزيد من التقسيم؟ وتشهد عدة مناطق ليبية في الفترة الأخيرة حراكا واسعا لأنصار نظام معمر القذافي ونشاطا علنيا من خلال تنظيم الاجتماعات والخروج في المظاهرات، إضافة إلى ارتفاع بعض الأصوات المنادية بالإفراج عن رموز النظام السابق. وفي هذا السياق، شكل ضباط وعسكريون من الموالين لنظام القذافي السابق خلال اجتماع لهم مؤخرا قيادة للقوات المسلحة الليبية في الجنوب ترأسها الفريق ركن علي سليمان كنه الذي يعد من أبرز قادة كتائب القذافي خلال ثورة 2011. وأعلن المشاركون في البيان الختامي للاجتماع، أن هذه الخطوة ليست موجهة ضد أي جهة، وأن هدفها تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة الجنوبية، مشددين على أن "القوات المسلحة العربية الليبية بالجنوب الليبي هي جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة العربية الليبية على كامل التراب الليبي عند قيام الدولة بكامل مؤسساتها العسكرية والمدنية". المقدم مبروك احنيش منسق ملتقى ضباط الجيش في المنطقة الليبية، اعتبر أن هذه القيادة العسكرية في المنطقة الجنوبية تعد قوى عسكرية ضاربة للغاية، الغرض منها هو تأمين الحدود مع فرض الأمن والأمان والمحافظة على مقدرات الشعب الليبي العظيم وملاحقة الإرهاب أينما كان وحماية المستثمرين الأجانب في ليبيا من كل الجنسيات العربية والغربية حسب اللوائح والقوانين الدولية. وأضاف في تصريح لـCNN بالعربية أن هذه القيادة وحدوية وليست انفصالية ولديها برنامج وطني للعمل من داخل الوطن وليس من خارجه، مشيرا إلى أنها ضد انقسام ليبيا وتعمل على توحيد قوات الشعب المسلح في ليبيا من أجل الحفاظ على النسيج الإجتماعي في البلاد. غير أن العميد محمد بن نايل آمر اللواء 12 مجحفل التابع لقيادة الجيش الذي يقوده حفتر، اعتبر في تصريح لوكالة الأنباء الليبية التابعة لمجلس النواب الليبي، أن هذا الكيان العسكري غير شرعي مشيرا إلى أنه لن يقبل بتواجده في الجنوب الليبي، مؤكدا على وحدة القوات المسلحة بقيادة الجنرال خليفة حفتر. وبعد الإعلان عن هذا الكيان العسكري في الجنوب الليبي، برز توجس من إمكانية اتجاه البلاد إلى التقسيم بين لأقاليم بدءا من المؤسسة العسكرية وذلك في الوقت الذي تسعى فيه منظمة الأمم المتحدة إلى تقريب وجهات النظر من أجل تشكيل جيش موحد في ليبيا. أشرف عبد الفتاح عضو المجلس الأعلى للقبائل نفى أن تكون هناك أي نية لتقسيم مؤسسة الجيش أو البلاد حسب الأقاليم، قائلا:" إن وحدة وحرمة التراب الليبي تعد من أولى أولويات الضباط المنضوين تحت هذه القيادة العسكرية بالمنطقة الجنوبية"، مضيفا أن هدفهم هو "ضبط الأمن في الجنوب من خلال محاربة الإرهاب والهجرة غير شرعية وجمع السلاح إلى جانب اعتراض المحاولات الرامية إلى دمج المليشيات صلب المؤسسة العسكرية". وبخصوص ما إذا كانت هذه الخطوة تعد إيذانا بعودة أنصار النظام السابق إلى المشهد الليبي، أضاف عبد الفتاح في تصريح لـCNN بالعربية أن الموالين لهذا النظام لم يغيبوا عن المشهد رغم السياسة التي انتهجها أنصار الثورة لاستبعادهم وتهميشهم واعتقالهم وتهجيرهم، مشيرا إلى أن هذا الأمر لن يطول كثيرا وسيقول الليبيون كلمتهم قريبا. ويرى محمد أبو عجيلة الروسي عضو المكتب الإعلامي لغرفة عمليات طرابلس التابعة لجيش حفتر، في تصريح لشبكتنا أن التحالف العسكري الذي شكله أنصار القذافي في الجنوب لا يشكل أي خطر على وحدة الجيش لأنهم لا يملكون لا السلاح ولا التمويل ولا الحاضنة الشعبية، مشيرا إلى أن القضية التي يدافعون عنها مثل قضية المؤسسة العسكرية في الشرق وهي فرض الاستقرار، باستثناء أن بعضهم يرى في خليفة حفتر أحد رموز فبراير، أي الثورة الليبية. ويعيش إقليم الجنوب الليبي الكثير من المشكلات الأمنية، حيث بات مسرحا للصراعات القبلية والإيديولوجية، كما أنه يعد ممرا للجماعات الإسلامية المتشددة ويعرف نشاطا متزايدا للتهريب والهجرة غير الشرعية وذلك بسبب نقص التواجد العسكري لضبط الأمن، كما لا يزال لأنصار نظام القذافي في هذه المناطق نفوذ وحضور واضح خاصة في مدينة سبها.