×
محافظة المنطقة الشرقية

الأمم المتحدة: "داعش" نفذ عشرات عمليات القتل في الموصل

صورة الخبر

الشارقة: غيث خوري تبدو تجربة الفنان الإيطالي أميديو مودلياني (1884- 1920) وهو أحد أبرز الأعلام في سماء الفن التشكيلي العالمي، خارجة عن السياقات التي اتخذها فنانو الحداثة في مطلع القرن العشرين، ومتفردة في إبداعها ومقاصدها، بما حملته من جدة وألمعية فنية، وبما بثته من مشاعر وأحاسيس لمتلقيها. إن الصخب الذي رافق حياة مودلياني، لم يكن فقط في الجانب الفني، بل أكثر منه في حياته اليومية، التي لم تكن لتشبه أي حالة عيش طبيعية بأي حال من الأحوال. ولد مودلياني في ليفورنو في مقاطعة توسكاني في إيطاليا وقضى طفولته تلاحقه الأمراض التي تركت جسده منهكاً، وأدّت إلى انقطاعه عن الدراسة، فأرسلته أمّه إلى مدرسة الرسم في روما، حيث بدأ يرى في الفن حياة وخلاصاً بدلا عن صورة الموت التي خلّفتها أمراضه المتتالية، وبذلك نشأ مودلياني شاباً مندفعاً جامحاً، يعيش الحياة بلحظاتها وبوتيرة سريعة، حيث كان يحاول أن يختزل عدّة حَيَوات في حياة واحدة. في عام 1906، حين بلغ العشرين من عمره، سافر مودلياني إلى باريس وهناك انطلق في حياة متشردة، حافلة بالإنتاج الفني العظيم، وتعرف خلال ذلك إلى عدد من كبار الفنانين الذين قدروا موهبته وأحبوه، ومنهم بيكاسو وبرانكوزي وآخرون، وقد لفت مودلياني الأنظار بأسلوب شخصي غريب، شغوف بالفن الإيطالي وبالفنون الإفريقية والمصرية واليونانية القديمة، وقد أخذ عن الإيطاليين روحانيتهم وعن اليونانيين نقاء وبساطة ورمزية الشكل الأنثوي، وعن المصريين هالة الآلهة والنبل الذي تعكسه ملامح الملكات. عبر سلسلة البورتريهات التي منحته مجده العالمي، تتبدى التأثيرات الفنية والنفسية في حياة مودلياني، تلك الأعناق الطويلة والعيون اللوزية والوجوه البيضاوية والشفاه المائلة، تعطي إحساساً بالحزن والهجر والانفصال، شخصيات ساكنة، ملامحها هادئة، تعكس انطوائية الرسّام نفسه، وضعيّاتهم في اللوحات توحي بالانسحاب كما لو أنهم يحترسون من بيئاتهم المحيطة. يقول صدقي إسماعيل في كتاب مطالعات في الفن التشكيلي العالمي: عبرت أعمال مودلياني عن حرارة الرغبة الإنسانية في التصوير الحديث، غير أن رسومه لا تخلو من نزعة إلى الخيال. فقد كان حريصاً على تبديل الواقع وفق النزعات العاطفية الدفينة، هذه النزعات التي ألهمته فكرة الامتداد والاستطالة في الأشكال. فمعظم رسومه تبدو وكأنها تنعكس في مرآة صافية، توحي بالامتداد الذي لا يعرف النهاية، كما أن الوجوه البشرية التي رسمها مودلياني تحمل ملامح الاستسلام والوداعة. حول مودلياني العالم إلى ألبوم من الشخصيات الفنّية في زمانه والأشخاص الذين كانوا يعيشون حوله، فقد رسم نحّاتين مثل برانكوزي ولوران، وشعراء مثل كوكتو وأخماتوفا، ورسّامين مثل سوتين وكيسلنغ، بالإضافة إلى الرجال والنساء العديدين الذين كان يراهم وهم خارجون من مبنى الأوبرا، ورسم أيضا الخادمات والموسيقيين وأطفال الحيّ، حيث كانت تتملّك مودلياني رغبة عميقة في تخليد كلّ شخص يعرفه. كانت أيام حياته مثقلة بالألم، فقد تعرض لفترات عانى فيها الجوع والمرض، ولكنه كان يجد عزاء في حب جارف، كانت بطلته فتاة قلقة، تركت أهلها للحاق به، والحياة إلى جانبه، وقد رعته خلال مرضه الأخير وماتت من أجله، وهي جان إيبيتيرن رفيقة دربه التي رسمها في عدد من أعماله، وفي إحدى اللوحات تبدو جان بملامح ملائكية، عيناها الخضراوان الشاحبتان وشفتاها الرقيقتان ونظراتها الواهنة تؤكّد هشاشة وبراءة تلك الفتاة التي كان مقدّراً لها أن تموت قبل الأوان مثل الرجل الذي عشقته. كتب الكثير من أصدقاء مودلياني ومعاصريه عن شخصيته، وتطرقوا إلى حياتهم معه، وربما في تلك الأوصاف الواردة في كتاباتهم يمكن استشفاف العناصر الفنية والنفسية الزاخرة في لوحاته، فقد كتبت الشاعرة الروسية آنا أخماتوفا عن شخصيته تقول: كان يبدو أنه يعيش في حلقة من العزلة. لم يذكر أبداً اسم صديق، لم يتفكه أبداً. لم يتحدث أبداً عن غراميات سابقة، أو عن أشياء دنيوية أبداً. كان مجاملاً بنبل. وقد دعاني إلى صالون المستقلين في 1911 لكن عندما ظهرت لم يأت إلي. وقد أخذني إلى القسم المصري بمتحف اللوفر كان يحلم بمصر فقط، كل شيء آخر لا أهمية له. وقد رسم رأسي بأسلوب ملكات الأسر المصرية القديمة. أما الفنان المعروف فلامينيك، فيقول: لقد عرفت مودلياني جائعاً، ورأيته ثملاً تصرعه الخمرة، وعرفته غنيا وعرفته فقيرا أيضا، ولكنني كنت أراه في كل حين، إنساناً واحداً لا تبدله الأحداث والظروف، كان يمثل في نظري كل حين عظمة الإنسان وكرم سجاياه. الفن العظيم برأي مودلياني، له صفات الجمال في الطبيعة وقدرتها الفذة على إبداع وخلق هذا الجمال، إذ يقول في هذا الصدد: يجب النظر لأي عمل فني عظيم مثل أي عمل تنتجه الطبيعة، أولاً وقبل كل شيء من منظور واقعه الجمالي، ثم من خلال تطوره والبراعة في إنتاجه، واستشراف مالذي حرك وأثر في مُنتج هذا العمل.