تهتم معظم الدول بتنمية اقتصادياتها عن طريق تكثيف صادراتها فتهيئ السبل الكفيلة برفع طاقاتها الإنتاجية في المجالات المختلفة من صناعية وزراعة وتقنية وسياحة، وكل أوجه النشاط المرتد علي الدخل القومي بفائض فلا غرابة أن تحرص كل الدول على تحفيز مجالات الإنتاج بالدعم والمؤازرة عن طريق سن القوانين ومنح التسهيلات والقروض ومحاولة الابتعاد عن البيروقراطية الإدارية وازدواجية المعايير وانتقائية التطبيق وتكافؤ الفرص وتمركز المناطق أو الأقاليم، بحيث يكون النمو طبيعيا وغير مستزرع ومنتشر جغرافيا للبعد عن سلبيات التمحور في نقطة الارتكاز للعواصم مما يعطي مردودات تنموية متنوعة، وتجنب الدولة هجرة الأرياف والتكثيف السكاني من جغرافية المدن مما يعيق الخدمات والطرق ويؤثر علي صحة البيئة للتراكم العمراني والسكاني والتي توجد الاختناقات في الاتصالات والحركة المرورية. ولهذا تحرص الدول علي تشكيل كيانات اقتصادية كبيرة ومؤثرة في شتي القطاعات وتساعد علي انتشارها ونموها لتكوين قاعدة اقتصادية يعتمد عليها في توفير فرص العمل والأجواء المناسبة لبروز نشاطات مساعدة ومكملة لتلك الكيانات علي هيئة مؤسسات صغيرة ذات الإنتاج الجزئي بتأييد ومباركة الكيانات الأكبر، وتكون لها حاضنة وأما حنونا ترعى نشأتها وتستكمل بها خطوطها الإنتاجية شريطة ألا يترك الأمر للصدفة والمغامرة ولكن ضمن حدود تؤسس لها قواعد وتشريعات بعقود ملزمة تكفلها الأنظمة وتحميها القوانين المنظمة لها. ولا أتصور أن يكون هناك إنتاج موسع وكبير دون أن يكون له تفرعات جزئية ليست ضمن الاختصاص ولكنها ضرورية لاكتمال المنتج، ولو تفحصنا معظم المنتجين الكبار من أمثال مصانع السيارات لوجدنا اشتراك أكثر من منتج في خروج السيارة بشكلها النهائي، حيث يدخل في إنتاجها الزجاج والمطاط والأقمشة والجلد والأسلاك والإلكترونيات والمسامير وغيرها الكثير التي لا تنتمي لمصانع السيارات ولكنها ترتبط بها جزئيا. وهذا ما يتوجب عليهم تبنيها ورعايتها لمصلحة الطرفين لضمان تدفق جزئيات مكملة وأساسية للمصانع الكبيرة، وهي في نفس الوقت استمرارية تصريف منتجات المؤسسات الصغيرة بسعر متفق عليه وكمية محددة سلفا بعقود نظامية، وهذا يؤكد دوران رأس المال ويساعد علي الخطط المستقبلية بصورة صادقة ومطمئنة بأرقام أكدتها العقود مما يتيح الفرصة لطرفي العقد من جدولة برامج الإنتاج وتحديد كميته بناء علي قدرة المنشأة في التمويل والتشغيل الآمن من هزات تغيير الأسعار أو عدم توفير مواد الخام الأساسية والتكميلية. وبما أننا في طور تطبيق الرؤية 2030والتي تشمل كل القطاعات أجدها فرصة لاقتراح إعداد نظام يلزم الكيانات الكبيرة بان يكون لها مؤسسات صغيرة مستقلة عنها، ولكنها تعمل لجزئياتها المطلوبة لإنتاجها تحت رعايتها وإشرافها وتكون حاضنة لها بموجب عقود مؤثقة يحددها النظام المقترح، بحيث نضمن جدية التنفيذ وقدرته علي المواصلة والاستمرار بدون إجحاف أو ضرر لأحد الطرفين، بشرط أن تقوم الفعاليات الكبرى بإعلان الجزئيات الداخلة في إنتاجها وشروطها ومواصفاتها وحجم التمويل اللازم لهذا المنتج بدون مبالغة أو مواربة وغموض وبشفافية مطلقة تحقق الأهداف ولا تجحف المطلوب. وهذا بالطبيعة سيشكل لنا نواة إنتاج تكاملي يتراكم مع الزمن ليؤسس في المستقبل أجواء الاندماج لتشكيل التكتلات الإنتاجية التي ستحتاجها الأسواق المفتوحة علي العالم للصمود أمام تحديات أنظمة التجارة العالمية، وأملي أن يتحقق ما هو في صالح الوطن على أمل أن نتمكن من الاستفادة من المناطق الصناعية لتكون موطن لتلك الورش الصغيرة الناشئة من هذا التكامل والمدن الاقتصادية للمنشآت الكبرى، لتكون قاعدة توليد لعشرات بل مئات المؤسسات الفرعية ذات النفع العام وغيرها لننتقل لمصاف الدول المنتجة وهذا العشم.